يشتهر الناس في هذه المجتمعات المنغلقة بالقرب الشديد ؛ الذي ينتج عنه حب وتلاحم يقود إلى التعاون والمؤازرة في أبسط الظروف وأشدها, أو كراهية وعداوة متوارثة قد تستمر لأعوام عديدة . ومنذ سنوات كانت المرأة جزء مهم تقوم عليه الأسر في البيوت والمزارع , وليست هذه المهمات بالبسيطة في زمن صعب لم يعرف أبسط وسائل الرفاهية وتسهيل الحياة . مما جعل شعور الأبناء تجاه أمهاتهم يرتبط بالشفقة والرحمة والتعاطف القوي , فكان من تبعات ذلك الطاعة العمياء للوالدين وخاصة الأم . ولما خرج الرجال إلى المدن للبحث عن الوظائف وسبل عيش جديدة تواكب التطور الذي تسلل إليهم ؛ بقيت الأم عند القروي رمزا للتضحية والشقاء . وأمام سرعة التطور وسلاسة الحياة وتنوع الخيارات الحياتية ؛ اصطدمت بعض النساء بذلك وشعرن أن السلطة خرجت من أيديهن , وأصابهن هاجس خروج الابن إلى حياة أبعد من تلك التي رسمتها له , والتي أطرتها داخل النظر إلى أمورها والبحث عن راحتها وتعويضها عما واجهته فيما سبق ! بل أن التعقيدات ظهرت عندما نالت نساء هذا الزمن الحاضر بعضا من وسائل المتعة , وشيء من احترام الزوج ثم تشارك الزوجان في مواجهة الحياة معا , وهنا أبت أمهات الأزواج تقبل هذا الوضع الجديد حتى ولو كان فيه مصلحة الابن و أسرته الجديدة . ومما زاد الحرج في بعض البيوت أن فتيات هذه الأيام لا يحرصن على استجداء رضا أم الزوج والسعي إلى كسب تأييدها ؛ إما لمغالاة الأم في ذلك , وإما لانشغال زوجة الابن بحياتها وطموحها فترى في ذلك مضيعة للوقت وتعطيل لعجلة المستقبل . الضحية في هذه المواقف هو الزوج ( الابن ) الذي يقع بين مطرقة الحياة الأسرية والزوجة والأبناء والعمل , وبين سندان الأم المتشبثة برأيها المصرة على أن تكون هي في المقدمة وما بعدها لا يهم ! وكثير من الأمهات تلوح برضائها وصك دخول الجنة لتجعله ورقة رابحة تلوي بها أيدي أبنائها عند الضرورة . وبرغم أن الأبناء في هذه المجتمعات أفضل من غيرهم بشدة ارتباطهم بوالديهم , إلا أن بعض الأمهات يحكمن قبضتهن عليهم , وقد تكون كلمة الفصل للأم في قرار الارتباط او حتى الطلاق , أما في حالة بقاء الزوجة رغم وجود الخلافات فان الأم تمارس ألوانا من الاضطهاد و الإهانة والمعايرة , وتبقى في صراع ضد أي خطوة يتخذها الزوجان لتحسين حياتهما , لأنها تقارنها بحرمانها الذي ذاقته في شبابها . قد لا يعدو الأمر مجرد صراع بين ثقافتين , وحياتين مختلفتين يعيش شخوصها تحت سقف واحد , وهذا الاختلاف وارد في أي بيئة , ولكن أن تستغل الأمهات ( الحنونات ) مكانتهن المتميزة في إيذاء نساء أخريات ليس لهن ذنب إلا أنهن ولدن في عصر أكثر مرونة وراحة ؛ فإن ذلك في حاجة إلى وقفة من رجل حصيف يؤدي فيها حقوق الأم دون أن يبخس زوجته وأم أبناءه كرامتها وحقوقها هي الأخرى .