هذه قصة قد تكون خيالية، لا نصيب لها من الحقيقة. لكنّ الدرس الذي وراءها رائع ومؤثر! يُقال إن أحد الصالحين تمنّى على ربه عز وجل أن يريه الفرق بين أهل الجنة وأهل النار، فرأى في الحلم أن ملكًا أخذه إلى غرفة مغلقة، ثم فتحها له، فرأى في وسطها طاولة مستديرة كبيرة يتوسطها طبق شهي من اللحم، ورأى حولها قومًا يتأوّهون من شدة الجوع، ومربوطة في يد كل منهم ملعقة طويلة، فلما سأل الرجل الصالح الملك عن حال هؤلاء، أجابه: إن الملعقة الطويلة يستحيل الأكل منها؛ لأنها لا تصل إلى فم صاحبها. ثم أخذه إلى غرفة أخرى مشابهة تمامًا، وفي وسطها طبق مشابه، وحول الطبق رجال أصحاء مربوطة في يد كل منهم ملعقة طويلة مشابهة، فاستغرب الرجل الصالح من شبع هؤلاء، وجوع أولئك، وسرور هؤلاء وفرحهم، وحزن أولئك وتعاستهم، فأوضح له الملك الصورة قائلاً: إن أولئك غلبت عليهم الأنانية، كل مشغول بنفسه، يريد إطعامها دون غيرها، فجاعوا جميعًا، وأمّا هؤلاء فقد أطعم بعضهم بعضًا، وشبعوا جميعًا. إنها الأنانية القاتلة التي تُنسي الإنسان كل قيم العطاء والحب والخير، أَوَليس في تعاليم ربنا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، كيف وقد استحالت حياتنا إلى قصص مؤلم من الإصابة بالعين حد القتل، ومن عمل السحر حد الفجور، ناهيك عن عشرات الألوف من قضايا أكل أموال الآخرين بالباطل، والمماطلة في سداد الحقوق، واستشراء استغلال السلطة للإيقاع بالآخرين، وللتملّص من تنفيذ الأحكام، ولاستخدام العنف والقهر وسيلة للاستبداد والتسلّط، وبسط الرأي الواحد. وهذا رمضان وقد أطل علينا، وفي يد الكثير منا ملاعق ذهبية، وآخرون فضية، أو نحاسية، لكن أفضلها وأحبها إلى الله دائمًا تلك التي تمتد بالعطاء إلى المحتاجين منا، المحرومين من صنوف النعيم الذي يتقلب فيه كثير منا حد الملل من كثرته؛ بسبب أننا نمسكه عن المستحقين للفتات منه، فضلاً عن الفائض منه، والفائض حقًا كثير. هلمّوا إلى جنة عرضها السماء والأرض إن كنّا حقًا موقنين!