عندما فكرت إحدى المعلمات في التقديم لوظيفة إشرافية حدد لها موعد للمقابلة الشخصية وأعطيت لها ورقة وطلب منها تعبئة المعلومات المدونة في الورقة وكان من ضمن المعلومات المطلوبة زاوية في الورقة كتب فيها (أهم منجزات المرشحة) تفاجأت المرشحة بالسؤال.. لأول مرة تسمع بمثل هذا السؤال ما منجزاتك؟ بقيت تجادل ذاكرتها وأوراقها الخاصة والعامة حاولت أن تفهم معنى السؤال رغم وضوحه الأوضح من الشمس حاولت أن تعرف ماذا تقول وما المطلوب رغم قناعاتها بعمق انجازاتها.. حاولت أن تقنع نفسها بأن هذا السؤال ليس غريبا أو جديدا عليها فهي تمارسه يوميا لكنها لا تعلم أن هذا مسمى ما تقوم به وأنه حتى تثبت وجودها على خارطة العمل لا بد أن تعد قائمة بكل منجزاتها وتوثقها بتوقيع رئيستها في العمل.. حاولت ثم حاولت ثم حاولت إلا أن المحاولات لم تفسح لها الطريق أكثر من أشبار.. لم تعرف كيف تثبت شيئا من تجربتها أو منجزاتها أو رحلتها في العمل فهي رحلة دونها رحلات ودونها سعة الفضاء وتمدده.. وبقيت تتساءل بعد أن تسربت إلى نفسها سحابة أشعرتها بشيء من الاستنكار.. كيف أتحدث عن منجزاتي وقد علموني أن المتحدث عن نفسه مغرور ومتعال؟.. كيف أعطيهم منجزاتي وقد علموني أن نكران العمل الذي تقدمه للآخرين هو ما تؤجر عليه؟. كيف أكتب أعمالي وقد علموني أن الشهامة والنبل هما أخلاق من يعمل وينسى؟. كيف أذكر منجزاتي وقد علموني أن الأناني هو من يعدد مآثره ومواقفه المتميزة؟. تجاوزت المعلمة هذه اللحظة بكل أبعادها التي لا تستوعب التجاوز وردت على التي تقابلها بسؤال: وما انجازاتكم معي أثناء أدائي لمهنتي كمعلمة؟ حتى تكون إجابتي بناء على ما قدم لي من تدريب أو دعوات لحضور ملتقيات أو مؤتمرات أو محاضرات أو ورش عمل أو زيارات ميدانية أو مقابلات؟. أنا موظفة في الوزارة.. هل تم تدريبي مسبقا على آلية تعلمني كيف أسجل منجزاتي أو انجازاتي.. هل عرفت مسبقا ما الفرق بين أداء المهنة وأداء المنجز؟ هل لدينا في المدارس لجان تؤدي أعمالا إضافية أو تطوعية وخارج نطاق المدرسة وخارج دوام المدرسة ولنا حرية المشاركة حتى تكون لنا منجزات مختلفة؟.. هل لدينا في المدارس لجان مسئولة عن تدريب المعلمات وإطلاعهن على كل جديد؟. هل المعلمات في المدارس يعرفن شيئا عن مبادئ حقوق الإنسان؟.. هل يعرفن أهمية وقيمة العمل التطوعي؟ وهل يعرفن متى ينعقد الحوار الوطني ومتى ينتهي؟.. هل يعرفن شيئا عن الجوائز التعليمية للتميز والجودة؟.. هل تطالب المعلمات في المدارس بتقديم دراسات أو إحصائيات عن نتائج الطالبات ومستوى الفائدة التي حققها موضوع ما في مقرر الكيمياء مثلا أو النحو أو الرياضيات؟.. هل منجزاتي سوف تعبر بي إلى جسر الإشراف؟.. هل منجزاتي سوف تميزني في عملي؟.. لا زالت المعلمة تسكب أكواب التساؤلات.. ولا زالت الإجابات تنتظر من يشبعها بالرد. أعرف أن التدريس انجاز كبير وأعرف أن الموازنة بين الزوج والمهنة والبيت والأولاد إنجاز كبير.. وأعرف أن الصبر على المتعلم انجاز.. وأعرف أن الصبر على الرئيس إنجاز وأعرف أن الالتزام بقيم المهنة والانتماء لها ولمتطلباتها إنجاز.. واعرف أن حبي لمهنتي هو تعبير عن حبي لوطني وهذا إنجاز.. أعرف أن وقوفي أمام الطالبات من أجل التعريف بمادة علمية وفي عصر العولمة والمعرفة والتقنية والخروج بهن من بين جدران النفس إلى عالم الله ومعهن اللغة التي يحاورن بها ما وراء الجدر إنجاز.. أعرف أن مهنة التعليم إنجاز لأنها رسالة إنسانية عظيمة.. أعرف أن التعليم صناعة للبشر وهذا إنجاز.. هل هذه المنجزات التي ترغبون أن أسجلها في أوراقكم الخاصة بالترشيح أم أن هناك منجزات أخرى تقصدونها و أنا لا أعرفها؟ إنجازات المعلمات في المدارس تتعلق بأمرين مهمين وهما التفاوت في القدرات الخاصة لكل معلمة ومستوى الرغبات ونوعية الدوافع والأمر الآخر هو الطالبات والتحدي الذي يطالب المعلمة بمراعاة الفروق بين الطالبات وتقديم المادة العلمية للجميع في زمن واحد وبمنهجية واحدة. والإنجاز هو الإبداع في العمل والخروج عن النمطية في المهنة والتجديد في فكرة التدريس والعرض للمادة العلمية والتقويم والتقييم.. الإنجاز هو الزراعة التي تثمر بالخير في نفوس بريئة وعقول غضة وقلوب بيضاء.