إن ما صرح به ذلك (المجاهر) بالتأكيد موجود وبنسب مرتفعة في مجتمعنا المحافظ، لذا تبقى القضية الرئيسة هي الفعل لا التصريح، فالفعل موجود ومنتشر، لذا علينا ان نطرح القضية طرحا يليق بمعالجة الفعل نفسه لا معالجة المجاهرة بالفعل.. أثار استغرابي وحنقي أيضاً كالكثيرين غيري ممن ينظرون إلى الأمر نظرة واقعية شمولية غير متشنجة ما تتداوله صحفنا المحلية عبر صفحاتها الأولى ومن خلال تلك المانشتات العريضة والملونة قضية الشاب المجاهر بالرذيلة عبر إحدى القنوات المعروفة بتجاوزاتها السلوكية المستمرة والمعروفة أيضاً بخضوعها لدعم الكثير من الأموال السعودية التي تتلقاها من بعض أثرياء هذه البلاد الكريمة دائما. ولست هنا في حالة دفاع عن ذلك الشاب المتهور الذي أرى انه قد ارتكب سلوكا مشينا يستحق عليه العقاب الرادع لكن مصدر استغرابي هو ذلك الاندفاع وتلك المبالغة في أسلوب تناول هذه القضية التي أرى انها تفتقد كثيرا لجانب المعالجة العلمية التي يفترض ان تكون عليه تلك الصحافة فالقضية أرى انها قد أخذت أكبر من حجمها، وكان لهذا الاندفاع وتلك المبالغة آثارهما السلبية على المدى القصير والبعيد أيضاً، ودعونا نظر إلى تلك القضية من زوايا متعددة واتجاهات مختلفة حتى تتضح لنا تلك الابعاد! هي قضية سلوكية تمس جانبا شرعيا مارسها فرد ومن المؤكد انه يشكو من خلل سلوكي له أسبابه ودوافعه التي أدت إلى ممارسته ،وبالتالى تستوجب ان يخضع للتحليل النفسي الدقيق ثم المعالجة العلمية التي قد يكون منها التعزير الذي يعد علاجا شرعيا لمخالفة سلوكية، وهذا أمر حث عليه ديننا الحنيف ومارسه نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد بن عبدالله مع المخالفات السلوكية التي كانت ترتكب من قبل بعض أصحابه، والأمثلة على ذلك كثيرة. ان ما صرح به ذلك (المجاهر) بالتأكيد موجود وبنسب مرتفعة في مجتمعنا المحافظ لذا تبقى القضية الرئيسة هي الفعل لا التصريح، فالفعل موجود ومنتشر لذا علينا ان نطرح مثل هذه القضية طرحا يليق بمعالجة الفعل نفسه لا معالجة المجاهرة بالفعل وكأننا بذلك نقرّ بذلك الفعل وهذا أمر غير صحيح. إن هنالك قضايا مشينة أخرى تفوق في فظاعتها ونواتجها السيئة ذلك الفعل كقضية الإرهاب التي يذهب ضحيتها الكثير من أرواح الأبرياء والممتلكات العامة والخاصة، وقوبل أصحابها بأسلوب المناصحة الذي نرى ان مثل هذا الشاب هو الأكثر حاجة والأجدى أثرا فلماذا لا يتبع معه هذا الأسلوب بدلا من مطالبة البعض من ذوي الشأن بقتله أو المطالبة بالسجن المؤبد. بما ان هذه تعد قضية فساد أخلاقي وقد أخذت هذا الزخم الكبير من الإعلام فلماذا لا يسلط الضوء أيضاً وبنفس هذه الكثافة على قضايا الفساد الأخرى كقضايا الفساد الأخلاقي الذي يمارس علنا ضمن بعض المنتجعات المحمية وغير المحمية، وقضايا الفساد الإداري الذي يذهب ضحيته مستقبل أمة بكاملها، وقضايا الفساد المالي التي تمارس علنا وبأوجه مختلفة وصور متعددة والتي تذهب ضحيتها أيضاً حضارة أمة، أليست تلك القضايا أشد فتكا وضررا من قضية ذلك المجاهر الذي يستوجب ان ينال عقابه أيضاً، ولكن ضمن المنظومة الفسادية كاملة وضمن ميزان عدل غير متحيز وغير جائر، وهذا ما يحث عليه ديننا الإسلامي الذي نتخذ منه نبراسا لمحاربة كل فساد. وفي جانب آخر نجد ان هنالك الكثير من أبناء هذه البلاد قد حققوا الكثير من المنجزات الخارقة التي صفق لها العالم وأشاد بها، لكن أجهزتنا الإعلامية وللأسف الشديد لم تبرزها بالصورة التي تستحقها، بل ان البعض منها لم يعرف عنها أحد سوى أصحابها، أليس مثل هؤلاء أحق بتكثيف الإعلام وتدوينها على الصفحات الأولى وعبر المانشتات العريضة فمثل تلك الأعمال هي الأحق بالزخم الإعلامي المكثف حتى تصل تلك الصورة الجميلة الناصعة إلى العالم حتى يعرفوا ان فينا المبدع والمبتكر والبارع بدلا من إبراز بعض الممارسات التي قد يكون لها الأثر الكبير في تشويه صورة مجتمعنا وخاصة اننا نعلم ان هنالك الكثير من المتربصين والحاقدين الذي يسعون لاستثمار مثل تلك الزّلات.. والله تعالى من وراء القصد.