عندما أقول مفارقات فإني أعني ذلك التناقض بين المأمول وما يحدث في الواقع , وعندما أقول مضحكة فإنه ذلك الضحك الذي يدل على قلة الحيلة في مواجهة المواقف ؛ فيضحك العاجز ضحكا هستيريا قد ينقلب في آخره إلى بكاء مرير . وتظهر هذه المفارقات في حياتنا اليومية واضحة مكشوفة ؛ لأن المواطن العادي لم يعد عاديا ؛ فقد أصبح يعرف ما يجب أن تكون عليه الأمور لذلك ينتبه ويعي عندما تؤول الأمور إلى غير ذلك. مفارقة خطيرة أن يهرب المواطن الوافدين المخالفين لأنظمة الإقامة بسيارته الخاصة ويسهل لهم التنقل و إلحاق الضرر بوطنه , وهو يعتقد أنه لن يصبح في أحد الأيام ضحية لهم. مفارقة غريبة أن تحد وزارة التربية و( التعليم ) من طموح المعلم وتخلق الشروط التعجيزية لمنعه من مواصلة دراساته العليا . مفارقة مؤلمة أن يدخل المريض المستشفى وهو المكان الذي يفترض أن نجد فيه الصحة والنجاة من الأمراض - بإذن الله - ويلازمه الخوف من الموت بخطأ طبي . مفارقة مزعجة أن يقع المعلم مغشيا علية مضروب بهراوة بيد أحد طلابه تحت حائط كتب عليه : قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا . مفارقة ساخرة أن يصير المحامي ***** ؛ يبرئ ساحة من يدفع له أكثر حتى لو كان خصم موكله . مفارقة مفزعة أن يكون الأب الحاني و المسئول عن حماية أطفاله هو الذي يغرس السكين الغادرة في قلوبهم . ويزيد الفزع إذا عالجت الأم قسوة الأب بخطف أطفالها إلى المجهول وتعريضهم للخطر بحجة حمايتهم . غريبة أن تصبح الجامعات وهي أعلى المؤسسات التعليمية مكانة وأكثرها مصداقية , تصبح خصما لطلابها وموظفيها في المحاكم وعلى صفحات الجرائد , متهمة بالنصب والتحايل والتملص من إعادة الحقوق إلى أصحابها , إذا تركنا الفضول ولم نسأل لماذا أكلت الحقوق أصلا ؟ مفارقة مربكة أن يتحدث الإعلامي الشهير والداعية المحبوب عن دور المرأة في بناء المجتمع وكرامتها المصونة وحقوقها المحفوظة ؛ ثم يشاهد الناس الأول ينهر زوجته في السوق ويسخر منها , بينما يكتشفون أن الثاني من أصحاب العنف الأسري . أصبحت حياتنا أكثر إرباكا , واحتار العقلاء فينا بين المفروض وما فرض علينا , وأصبحنا نضرب يدا بيد لغرابة ما نراه ونسمع عنه , ونقلب الأمور في عقولنا , نخضعها للعقل والمنطق فتظهر الصورة غير متطابقة . فانقسمنا بين الصورتين المتناقضتين ؛ شخص يتعصب لوجه وآخر ينتمي للوجه المغاير , وكأن الواقع صار وجهة نظر شخصية يفصلها الناس حسب مزاجهم ومصالحهم .