يهوّن البعض من خطورة منظّمة القاعدة، على اعتبار انحسار الأثر والفعل القاعدي على أراضينا، وهذا خطأ من قائله، فالقاعدة في تصوّري ليست مجرد مجموعات غاضبة من شيء تنفّس غضبها بالتدمير والتخريب، القاعدة أصبحت عنوانًا لفكر منظم، أعاد صياغة تصوّرات لمفاهيم شرعية وصاغها بحيث تتوافق مع أهدافه وطريقته، وهذه هي طريقة أهل الأهواء من قديم، فلا تكاد تجد فرقة إلاَّ تسلّطت على جانب شرعي فخرّبته، وشوّهته، فالجهمية مثلا عاثت فسادًا في جانب أسماء الله وصفاته، والخوارج والمرجئة عاثوا الفساد في جانب الإيمان أسماء وأحكامًا، والفكر القاعدي هو مرحلة متأخرة من مجموعة أفكار وشطحات لجماعات سابقة وتنظيمات بعضها غير موجود الآن، وهذه الأفكار تطورت مع الزمن والظروف المتتابعة حتى مسخت مفهوم الجهاد، والعلاقة بالكفار، والجانب السياسي في الإسلام، وصاغته من جديد بصورة مشوّهة للغاية، مستغلة في كل ذلك العاطفة الإسلامية القوية التي يبعثها ويذكيها البغي والاستكبار الغربي في مناطق إسلامية، لقد أصبح رموز القاعدة ومنظّروها بما ينشرونه من تصورات مغلوطة، وفهم منكوس لحقائق الدّين الكبرى ومنها الجهاد والسياسة الشرعية عناصر تخريب فكري، نتج عن أعمالهم فساد عريض في تصورات قطاع واسع من الناس، خاصة في المجتمعات التي ينتشر فيها التوجيه الديني عبر شباب صغار، أو كبار نشأوا على أفكار الجماعات والأحزاب بعيدًا عن أهل العلم الموثوق في علمهم وعقلهم، خاصة في المناطق التي يدور فيها الصراع العسكري، الدفاع عن الوطن وعن حرمات المسلمين، وطرد الاحتلال، ومواجهة الفساد السياسي.. كل هذه قضايا عادلة، لكن ما إن تتدخّل القاعدة بمنهجها وتصوراتها وفقهها الأعوج المحدود حتّى تكون سببًا في فشل القضية وخسارة المسلمين لقضيتهم، وهذا يستدعي من أهل العلم والدعوة الكثير والكثير من الجهد في سبيل إعادة الاعتبار لمفهوم الجهاد والسياسة الشرعية في الإسلام، بعيدًا عن تسلّط الأهواء والأدواء الفكرية ومرضى النفوس الذين أصبحوا رؤوسًا في زماننا ينظرون ويؤصّلون بالهوى والعاطفة وهما قرينان قلّما ينجو مَن اجتمعا عليه من الشطح والنطح، وإذا كانت الشجرة تُعرف من ثمارها كما يُقال، فانظر وتلفت حولك، وانظر ما هي آثار الفكر القاعدي على الأمّة؟ وماذا جلب لها غير الخسائر أو المكاسب التي فقدت قيمتها الذاتية مقارنة بما جلبت معها من عذابات وآهات؟ الفكر القاعدي هو الّذي يحرّك جماعات القتل وأمراء الحرب تحت دعاوى الجهاد، ولا أدري أيّ جهاد هذا الّذي يتشرذم مدّعوه تحت رايات عديدة في بقعة لا تزيد مساحتها أحيانًا عن كيلومترات قليلة، إنّه جهاد في سبيل أشياء كثيرة، لكنّه أبعد ما يكون عن سبيل الله، والله المستعان.