المسلم ملزم في أقواله وأفعاله بالمنهج الإسلامي فلا يكذب ولا يزايد فيلوي أعناق الحقائق لغرض سيئ في نفسه، ثم يدعي الصلاح والإصلاح . ويتظاهر بالدعوة للأخلاق الفاضلة والتعامل الراقي والتسامح الشرعي . فهذا كله يذهب جفاء إذا كان الغرض سيئاً ، وقد قال الرسول : [ إنما الأعمال بالنيات ]. ومن يمارس الكتابة لا يخرج فعله عن هذا الإطار مما يحتم عليه أن يتحرى الأمانة فيما يكتب ، فلا يبيع ضميره فيوظف فعلاً معيناً لغرض سيئ. وقد قرأت لغير واحد ما كتب عن جهات اتخذت بعض الإجراءات من شأنها أن تحد من ظاهرة التدخين ومشتقاته. فقد انتقد بعضهم الجمعية الخيرية لاشتراطها على من يتقدم لها بطلب مساعدة أن يكون ممن يحافظ على الصلاة، وأن لا يمارس التدخين. وقد طال النقد من بعضهم إحدى الجهات الحكومية التي وضعت ضمن شروط الوظيفة أن لا يكون مدخناً ؟! . وقد كالوا النقد جزافاً على هذه الإجراءات وأنها لا تتفق مع روح العصر وتعتبر من قبيل التخلف والرجوع للوراء وتدل على وجود خلل في التفكير والمنهج ، وتحسروا على استبعاد أهل الكفاءة والخبرات والمؤهلات العملية مقابل استقطاب غير المدخنين، وتساءل بعضهم هل يعقل أن يقبل في الوظيفة إنسان لمجرد أنه لا يدخن ويستبعد المؤهلون وأصحاب الخبرة ؟! وبالنظر إلى هذه الشروط نجد إنها شروط تفاضلية بعد توفر الشروط الأساسية فيكون عدم التدخين شرط أفضلية وحسب. وهذا إجراء لا غبار عليه فهو يسعى لإيجاد مجتمع نظيف خالٍ من التدخين. ولكنهم في غيبوبة من الضمير وظّفوا - ولغرض سيئ - هذا الإجراء لتوجيه الانتقاد لتلك الجهات تحت مظلة الدفاع عن حقوق المدخنين . وهو سلوك معروف لهؤلاء الذين يناصبون العداء لكل خير ولكل ما هو من منهج الشرع ، قد يقول من هؤلاء : أن الرسول أعطي المشركين مع وجود المسلمين معه، والردّ على ذلك: أن فعله كان ليتألف به القلوب فالهدف منه أعظم وأكبر. بيد أن الحالة هنا تختلف تماماً . والسؤال : هل في هذه الاشتراطات التي اشترطتها تلك الجهات ما يخل بالدين والأخلاق ومصلحة الفرد والمجتمع ؟!. الجواب لا يوجد خلل فيها ، ولا انتهاك لحقوق الآخرين ، بل إنها إجراءات تتفق مع الشرع ومبادئ الأخلاق ومصلحة الفرد والجماعة للأسباب التالية : 1- إن إعطاء الأولوية لهؤلاء فيه تحفيز لهم على ترك التدخين إذا كانوا في حاجة فعلاً لهذه المساعدات والوظائف. 2- أن جعلهم أولى بالرعاية هو تفضيل يجد سنده الشرعي فهو من قبيل التعاون على البر والتقوى وقد قال الله : [ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى] 3- إن المدخن حينما يقوم بشراء سجائر بأكثر من خمسة ريالات يومياً ثم يجد من يساعده على مواجهة أعباء الحياة فلن يترك التدخين ولكنه إذا علم أن القيمة ستتوفر له ثم تأتيه المساعدة ففي ذلك تحفيز لترك التدخين . إن توظيف هذه الوقائع التي تحدث في جهات ذات صبغة شرعية ولوي عنق الحقيقة بهدف تأليب الرأي العام على تلك الجهات إنما هو من قبيل الإرجاف للنيل من تلك الأعمال التي تستهدف إرساء منهج يساهم في التقليل من المخالفات الشرعية والممارسات الاجتماعية الخاطئة ويحقق مصلحة الفرد والمجتمع ، وإلا فإن التوجه في إعطاء الأفضلية لكل من لا يدخن هو توجه موفق فمتى تساوى المتقدمون في المؤهل المطلوب والخبرة المحددة ، يكون من حق جهة العمل أن ترفض المدخن وتختار غير المدخن ، بل إنني أطالب أن يكون هذا الشرط مطلوباً في الترقية وتقلد المناصب ، فمتى وجد غير المدخن فهو الأولى إذا توفرت الشروط الأساسية ففي هذا ما يساعد على إيجاد بيئة عمل نظيفة وخالية من التدخين . ولا عزاء لمن باع ضميره ليدافع عن الباطل . اللهم إنا نسألك الصدق في القول والإخلاص في العمل إنك ولي ذلك والقادر عليه .