الجامعة بمفهومها الحديث تقوم على ثلاث ركائز هي : البحث العلمي والتدريس وخدمة المجتمع ، ولذلك كل منهجيات التطوير يجب أن تركز على الجودة في هذه الركائز الثلاثة . ولأن الجامعة الحاضنة الأولى للبحث العلمي فإن الكراسي العلمية المتخصصة أسلوب من أساليب تنمية البحث العلمي والشراكة الفاعلة بين المجتمع والجامعة . وجامعاتنا اليوم تدور فيها معركة طاحنة تحت راية الجودة والاعتماد . وبشارات النصر بدأت بحصول بعض الكليات على الاعتماد الأكاديمي من عدد من المراكز المتخصصة في الجامعات الغربية ، وهو عمل مرهق يمر بعدد من القنوات منها التقويم الذاتي ، والاعتماد الوطني ثم الاعتماد العالمي ، وهذه شهادة عالمية بجودة المؤسسة في معايير دولية معروفة ومن أهمها معيار جودة البرامج التي تقدم ، وبالتالي جودة المخرجات التي تمثل الحصيلة النهائية . هذه الحرب الضروس أمدها طويل وتبعاتها كبيرة ، ولكن النتيجة ستكون بمشيئة الله بحجم الجهد والمال والتضحيات ، ولا سيما أن الجهات المانحة للاعتماد ستظل تتابع وتقوم ، ومعنى هذا أن الجودة يجب أن تكون عملية مستمرة ومضمونة . لدينا في جامعاتنا عقلية آبائية من الحرس القديم الذي يرى الجودة ترفاً فكرياً وهدراً للمال ، وإعراضا عن المقصود واشتغالاً بغيره ، وإقناع هؤلاء بجدوى الجودة والاندماج فيها والاحتكام لمعاييرها يحتاج إلى صبر ومثابرة وحزم في بعض الأحيان . في خضم هذا التغيير الهائل بدأت الجامعات تتواصل بالمجتمع ، وبدأ كثير من الموسرين ورجال الأعمال يؤسسون كراسي علمية بحثية أو أكاديمية بأسمائهم تهدف إلى إثراء المعرفة الإنسانية ، وتطوير المعرفة ، وخدمة قضايا التنمية الوطنية . وقد بلغت الكراسي العلمية في جامعة واحدة هي جامعة الملك سعود أكثر من ثمانين كرسياً علمياً ، وهذا أمر لا يمكن تحمله بأي حال من الأحوال . إن هذه الكراسي الجامعة يمكن أن تتوزع بين الجامعات السعودية ذات الإمكانيات الجيدة بدلاً من أن تتمركز في جامعة واحدة . لا يمكن لجامعة واحدة مهما أوتيت من قدرات أن تقوم بمتطلبات 80 كرسياً علمياً ، وستكون هذه الكراسي عبئاً على الجامعة ، وقد يتعسر تميل كثير منها في المستقبل القريب ، وتصبح عبئاً على كراسي علمية لديها فائض مالي ، وربما وجدت الجامعة نفسها تستقطع من ميزانيتها الخاصة لتمويل هذه الكراسي . الذي يحدث في جامعة الملك سعود تكدس كراسي علمية يذكرني بثقافة التكدس التي تعاني منها مدننا النفطية . إنها دعوة لوزارة التعليم العالي أن تقوم بتنسيق توزيع هذه الكراسي العلمية ، وجامعاتنا حافلة بالقدرات العلمية القادرة على الإشراف على الكراسي العلمية المتخصصة ، حتى لا نكتشف أن كل مشاريعنا العلمية تكدست داخل جامعة واحدة . إن الاقتصاد في تأسيس الكراسي العلميّة وتوزيعها على الجامعات التي تملك القدرات الفنية والبشرية سيجعل منها قيمة علمية لجامعاتنا ، وسيكون لها مكانة علمية كتلك الكراسي العلمية التي أنشئت خارج المملكة مثل : كرسي الملك عبد العزيز بجامعة كاليفورنيا ، وكرسي الملك فهد بجامعة لندن ، وكرسي الأمير نايف بجامعة موسكو . وما نؤمله أن تكون هذه الكراسي ثقافة مجتمع وفعلاً حضاريا وليست ردة فعل ، وقديما قالت العرب : قليل دائم خير من كثير منقطع .