لماذا لم تكن المرأة في عصر من العُصُور نبيّة؟! يصحّ أن يطرح أمثال المفكر الكبير عباس محمود العقاد ذلك السؤال المنطقي، بمعزلٍ عن القول بتفوّق الرجل على المرأة؛ فهذا أمر قد فَرِغَ منه، وأشبعه قولاً واستشهادًا، ولك أن تراجع كتابه (هذه الشجرة) فهو جدير بالقراءة، وقمين بالاطّلاع. ولكنَّه حين يطرح تساؤله السّابق لا يغرب عن فكره أنّ التّأريخ يحفل بالنساء الصّالحات والعظيمات؛ ما كان له أثر حيٌّ لا يغمطه إلاَّ المدلّسون والأفّاكون؛ فماذا قال عن نبوّة المرأة؟ يؤكد العقاد أنَّ المرأة ما خُلقت فيما مضى، ولن تُخلق بعد اليوم قانونًا خُلقيًّا، أو نخوة تدين بها، وتصبر عليها غير ذلك القانون الذي تتلقّاه من الرجل. وتلك النّخوة التي تسري بها من عقيدته؛ ولو ظهرت في الأرض نبية بمعزل عن دعوة الرّجال لما آمنت بها امرأة واحدة، ولا وجدت لها في طبيعة الأنثى صدىً يلبيها إذا دعت إلى التّصديق والإيمان؛ وإنَّما المرأة تُؤمن بالرجل حين تُؤمن بالنبيّ وبالإله. ولهذا يقول العقاد في فاطمة الزهراء: “... ومن فطرة التّديّن في وريثة محمّد وخديجة أنَّها كانت شديدة التّحرّج فيما اعتقدته من أوامر الدِّين حتّى همّت أنَّ أكل الطّعام المطبوخ يُوجب الوضوء”. لقد أنصف الإسلامُ المرأةَ؛ حيث لم تجد الإنصاف في الحضارات الرومانيّة، والهنديّة، والمصريّة القديمة: “فلمّا بعث النبيّ بالدّعوة الإسلاميّة لم تكن للمرأة منزلة مرضيّة، ولا حقوق مرعيّة في وطن من أوطان الحضارة والبداوة؛ فرّخص الإسلام عنها هذه الوصْمة، وخوّلها من الحقوق ما يساوي حقوق الرجل في كل شيء إلاَّ في حق القوامة”. والعقاد يرى أنَّ المرأة التي (تُطالب) بحقوق الرجل (كاملة) ومنها: (القوامة)، لا تحسّ بفضائل جنسها في نفسها التي بين جنبيها؛ “فإنَّ المرأة التي تمتلئ بفضائل جنسها لا تعنيها مساواة الرجل في حقوقه ولا واجباته؛ وإنَّما تطمح إلى مساواته حين تشعر بالفقر النفسانيّ أو العقليّ بالنسبة إليه، فلا يرضيها إذن إلاَّ أن تكون كالرجل في جميع الصفات، ولو كانت هذه الصفات من العيوب”. ولعلني لا أبالغ إذا قلت إنَّ المطالبات الملحّة التي لا يخلو منها مجلس، أو محفل، أو ندوة إلاَّ كان لها حضورها المتميّز هي ذات القضية المسمّاة ب(حريّة المرأة)؛ فمنذ القدم والمرأة لا تستجيب لفطرتها المخلوقة في ذاتها: بناء نفسيًّا وعقليًّا. لهذا تحضر الأسطوانة (المكرورة) لتعيد نفسها في أيامنا هذه بسبب وبغير سبب، وإن أخذت أشكالاً متعددة، وأساليبَ مختلفة. يرى العقاد أنَّ (حريّة المرأة) هي الأصل في حريّة الرجل؛ ولكن ينبغي أن نفهم الحريّة على معناها الصحيح الذي لا يشتطّ إلى فوضى تأباها الشرائع السماويّة والطبائع السويّة. فهو يعترف لها بحقوق، ولا يريدها حبيسة سجن، “فيجب أن تمارس الألعاب الرياضيّة؛ لتقوى جسدًا، وتصحّ مزاجًا، وأن تتعلم الضروري من أصول الاقتصاد وتقويم الصّحة، وطرائف الآداب، وأن تحذق فنًا أو أكثر من الفنون الجميلة...”. ولكنَّه مع هذا يتساءل: “أينَ هو الرجل الذي يفهم الحريّة وهو يسكن إلى شريكة في الحياة مستعبدة؟ وأينَ هو الرجل الذي ينعم بثمرة الحريّة وهو واليد أم مقيّدة؟”. ومع هذا فهو يرى أن المجال الطبيعي للمرأة هو في (بيتها) تحقق فيه إرادتها؛ لتكون أقل (عنادًا) وأسهل (مقادًا) من المرأة المستعبدة لتي لا إرادة لها. أمّا لماذا؟ فلأنَّ العناد في الواقع إنَّما هو احتجاج المرأة على سلب إرادتها، ولكنَّه يريديها أن تكون امرأة لا (تمسخ) طبيعتها ندًا بند للرجل فهو (يحب) ربّة البيت التي تكون (خادمة) فيه، كما حال الرجل؛ فهو (خادم) لها: أدوار متساوقة لكل واحد منهما دوره الواجب عليه. من هنا -أي الرجل- يراها (سيدته) الوحيدة، ويحتقر المرأة التي تأنف من تلويث يديها في مطبخها، كما يحتقر الرجل الذي يأنف تلويث يديه في حَقْله أو حديقة داره. فماذا قالت الكتّابة الكاتبة صافي نازك كاظم تعليقًا على ما قال به العقاد. هذا ما سنعرفه -إن شاء الله- الأسبوع المقبل..