نزلت سورة المسد تهجو أبا لهب وزوجته حمالة الحطب، وهما أحياء يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام ويمارسون ذات الأفعال الشائنة ضد المسلمين المستضعفين آنذاك. ولأنه كلام الله المنزل وعلمه المطلق، لم يخطر على بال الجاهلي المتكبر أن يعلن إسلامه نكاية في «تبت» وتكذيباً لما يهذي به (محمد) حسب رأيه الأعوج. وهكذا مضى التاريخ ومات أبو لهب كافراً معانداً مذموماً إلى يوم الدين. ذلكم هو تقرير العليم الخبير: لن يؤمن أبو لهب، وهو في النار من الخالدين. وقصة اليهود معنا هو تقرير آخر من العليم الخبير لن يملك أحد في هذه الأرض تغييره أو حتى تحويل بوصلته قليلاً، فهو صدام بين عقيدتين لن يخمد إلا بنصر مؤزر للمسلمين عندما يحين ذلك الاستحقاق الكريم. ولذا يزداد العجب كلما ازداد الحديث عن سلام موهوم مع اليهود. الحقيقة الربانية أن لا سلام معهم أبداً، فهم قوم لا يعيشون إلا في بيت استعلاء يعتدون به على الغير أو استذلال يستجدون به الغير. كلما قويت لهم شوكة، أعلنوها حروباً هنا وهناك إما أصالة أو نيابة أو مشاركة. وكلما كُسرت لهم شوكة أعلنوها بكاء ونحيباً حتى إذا أعطوا شيئاً من الحظوة والرعاية نشروا سمومهم ونفثوا أحقادهم وعضوا على أصابع من أحسنوا إليهم. مشكلتنا نحن العرب أن بلغ بنا الضعف حد الاستمساك بالوهم، فلا نرى السلام إلا خياراً وحيداً لا بديل له، ولا نرى الفرقة إلا عنواناً لنا لا مثيل له، ولا ترى بأسنا شديداً إلا على بعضنا البعض. قصة السلام مع اليهود مثل قصة إسلام أبي لهب... حادثتان نفاهما الذي خلق اليهود والعرب ورابين وأبا لهب. وحتى الذين يحسبونه مرحليا مؤقتا هم واهمون حتماً لأن اليهود قوم مكر ولؤم وخسة لا يحفظون عهداً ولا يرعون ذمة ولا يوقعون على ميثاق إلا لينقضوه. المسد جاءت في 5 آيات تتحدى أبا لهب وامرأته، فكيف بمئات الآيات التي تتحدث عن اليهود وتفضح مخازيهم وعوراتهم ! هل نحن غافلون مستغفلون، أم أننا نؤمن ببعض الكتاب ونغفل البعض الآخر؟