يشكل التوسع الاكاديمي في التعليم العالي نقلة واعدة وغير مسبوقة بحيث أصبح في كل منطقة من مناطق المملكة جامعة /جامعات وهذا يترجم حرص الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني يحفظهم الله، على أن تكون النهضة التعليمية التي تشهدها البلاد شاملة لكل المناطق. والدولة عندما تقدم على فتح جامعات في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى، تهدف إلى توفير فرص التعليم من اجل استيعاب الشباب في تلك المناطق، وعلى هذا الأساس فان علينا إن ننظر إلى الأمام عندما تتخرج الدفعات من تلك الجامعات في عدد من التخصصات، وعن مصيرها، بعد التأهيل الأكاديمي. وحيث ان التخطيط الاستراتيجي الناجح، يأخذ في الاعتبار فرص العمل المتاحة في المناطق التي تتواجد بها الجامعات، وإمكانية خلق فرص جديدة بواسطة الاستثمارات الملائمة لظروف المنطقة وإمكانياتها، حتى يكون هناك نوع من التكامل الذي يوفق بين مخرجات التعليم وفرص العمل المتاحة والحد من الهجرة من الأطراف إلى المركز... إلى المدن الكبرى... ومنعا لتفريغ المناطق الأخرى من الفرص الواعدة والتنمية المستدامة. كما أن المدن الكبرى في المملكة أصبحت ترزح تحت وطأة الازدحام المقلق، ليس فقط في الشوارع، بل في المدارس، والمستشفيات، والمرافق الحكومية الأخرى. والمدن الكبرى عندما تصبح أعداد السكان تتعدى إمكانات الأجهزة الإدارية فيها، تكثر فيها الجريمة، وترويج المحظورات، والتلوث البيئي، والانفلات الأمني بصفة عامة. وعلينا أن نستفيد من تجارب الدول التي سبقتنا في كيفية التعامل مع ازدحام مدنها الكبرى، قبل أن تصبح مدننا الرئيسية مثل الرياض، وجدة، مكتظة بالسكان لدرجة يستعصى على أجهزة الدولة التجاوب مع احتياجات المواطنين الأساسية مثل الماء، والمسكن، والمدارس، والمستشفيات، وغير ذلك، بسبب تحولها إلى مراكز كبرى يصعب العيش فيها. إن التوجه المشكور الذي أقدمت عليه الدولة بفتح جامعات في كل المناطق يستوجب أن يصاحبه نظرة مستقبلية للتخطيط، والتطوير الاقتصادي، والصناعي، في كل المناطق، من اجل توفير فرص عمل لخريجي تلك الجامعات بعد عقد من الزمن، لكي لا يضطر الخريج للهجرة إلى المدن الكبرى، بحثا عن العمل والاستقرار الأسري، الذي قد يترتب عليه إحداث ضغط سكاني في المدن الرئيسية، على حساب نقص العدد السكاني في المناطق التي أوجدت بها تلك الجامعات. والمرجو أن تكون وزارة التعليم العالي قد أخذت في الاعتبار أهمية تنويع التخصصات لتلك الجامعات، وآلا تكون الكليات نسخة مكررة من بعضها في كل جامعة، وان تركز كل جامعة على تخصص معين تتميز به، ويكون مرغوبا، ومطلوبا، في المنطقة التي بها الجامعة إلى حد ما، حتى تكون أهداف الجامعة قريبة من البيئة والمجتمع الذي يحيط بها، وهذه الأمور تستوجب التنسيق والتعاون الشفاف، من قبل كل الجهات المعنية مثل: وزارة التجارة والصناعة، ووزارة العمل على وجه الخصوص، التي يجب أن يكون لديها خطط واضحة لاحتياجات سوق العمل، وما تتطلبه من مخرجات التعليم العالي، وخارطة توزيع افتراضية للسنوات القادمة، تشمل أعداد الخريجين، والوظائف المتوقع توفيرها، في القطاع الخاص، وفي أجهزة الدولة. وتجارب الدول التي سبقتنا في أمور كثيرة تفيد أنها تدعم بسخاء تأسيس مصانع وحرف ملائمة، في بعض المناطق مستفيدة من وجود المواد الأولية لبعض الصناعات و تشجع على بقاء السكان فيها، وتجذب الهجرة من المناطق الأخرى إليها، عندما تتوفر لهم فرص العمل، والمسكن المناسب، والخدمات اللازمة، مثل التعليم والصحة. ان السعي إلى إيجاد تكامل، وتنوع ، بين المناطق بدءاً بجامعاتها، ومناهجها، ومخرجاتها، هو مطلب استراتيجي يجب العمل على تحقيقه بجدية، قبل أن يصبح لدينا عشرات الألوف من الخريجين الذين يتوافدون على المدن الكبرى ولا يجدون وظائف يعيشون منها ولا مساكن تؤويهم.