مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يعد من أعظم مشاريعه التطويرية التي قامت بدعمه المعنوي والمادي الكبيرين، إن لم يكن هذا المشروع أعظمها على الإطلاق، إذ هناك أكثر من خمسين ألف مبتعث من الجنسين من مختلف الدرجات والتخصصات العلمية المميزة، والمسيرة مستمرة في هذا الصدد برعاية ومتابعة وزارة التعليم العالي التي حققت نجاحاً هائلاً في تنفيذ مشروع المليك ومتابعة تفاصيله ودقائقه بصورة تثير الإعجاب. هذا النجاح الكبير الذي حققته الوزارة وملحقياتها الثقافية في الخارج، لم يخل – وهذا طبيعي – من وجود مشكلات وملاحظات هنا وهناك يتحدث عنها ويشتكي منها المبتعثون والمبتعثات، في شكل شكاوى فردية موثقة، أو ظواهر عامة. وقبل أن أشير إلى بعض هذه الملاحظات أود أن أذكر أن كثرة أعداد المبتعثين السعوديين في مختلف بلدان العالم، أفضت لأن أصبحوا في بعض البلدان، والجامعات ومعاهد اللغة، يمثلون أغلبية وخاصة في فصول تعليم اللغة الإنجليزية، وهذا بدوره أفضى إلى بطء بعضهم في اكتساب اللغة وحاجته إلى مدة أو مدد إضافية لإتقانها، لأن الجامعات لها شروطها الحاسمة في هذا الجانب، هذا الواقع أذكره عن تجربة ومعرفة وليس من باب قيل ويشاع، وقد ذكرته لأستند إليه في ملاحظة سأذكرها بعد قليل، لكنني لا بد هنا أن أذكر أمراً يتعلق بالمبتعثين أنفسهم – وقد لاحظت ومازلت ألاحظ ذلك بنفسي – فهم صغارا وكبارا حريصون كل الحرص على دراستهم مع استثناءات قليلة لا تكاد تذكر أو تلفت النظر، وهذا الحرص يعكس أخلاقياتهم وسلوكياتهم وتطلعاتهم المستقبلية، وإحصائيات وزارة التعليم العالي تؤكد هذا الأمر، إذ لم تسجل إحصائياتها ما يعد ظاهرة في فشل المبتعثين سواء كان تعليميا أو سلوكيا، بل لم تعد مشكلات فردية هنا وهناك، مما يؤكد نجاح المشروع كله، ونجاح الوزارة في تنفيذه. هناك ثلاث ملاحظات عامة تتردد في أحاديث الشجن والشكوى بين المبتعثين في مختلف البلدان، وهي غالبا مشكلات فردية تكبر وتنشر، ومما يزيدها وقوداً أن تلافيها سهل لكنها تحدث وتستمر، أول هذه الملاحظات افتقار بعض الملحقيات الثقافية للتنظيم الدقيق الذي يسهل خدمة المبتعثين ويسهل التواصل بينهم وبين مشرفيهم وهذا ينتج عنه تأخير وتعطيل غير منطقي ولا مقبول، لأمور تعد من البديهيات ابتداءً بالحصول على خطاب الضمان الدراسي للجامعة أو المعهد وانتهاء بخطاب تعريف. الملاحظة الثانية ولعلها امتداد للأولى أو أحد أسبابها أو أن لها علاقة بشخصية و\"كاريزما\" الملحق الثقافي نفسه في بعض البلدان، وهي ملاحظة تتعلق بالمشرفين الدراسيين فبعضهم يتعامل مع المبتعثين بأسلوب غير لائق وكأنهم هم من ابتعث لخدمته، وليس هو من تم توظيفه لخدمتهم، هذا إذا تفضل وتجاوب معهم هاتفيا أو إلكترونيا، وهذا إن كان مستوعباً عارفا للأنظمة وللدور الذي عليه. أما ثالث الملاحظات فهي تتعلق بتمديد مدة الدراسة سواء للغةالتي أشرت إلى ما يكتنفها من صعوبات أو للدراسة التي تليها، والتمديد له شروطه، ووثائقه المطلوبة، وغالبية المبتعثين المحتاجين للتمديد يفون بهذه الشروط ويقدمون الوثائق المطلوبة كاملة، لكن بسبب الملاحظتين السابقتين يلاقون عنتاً شديداً في تلبية طلباتهم، وهذا له انعكاساته السلبية الكبيرة نفسيا ودراسيا، وأمامي الآن شكوى اثنين من المبتعثين في ولاية \"هاواي\" الأمريكية حول موضوع التمديد النظامي بشروطه ووثائقه، وهما يعيشان – وربما غيرهما – حالة نفسية سيئة. وقد رددت عليهما بما يطمئنهما من أن الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي في واشنطن الذي أحدث نقلة نوعية بارزة في الملحقية لم يعلم عن مشكلتكما، فهي حتماً لم تصله بسبب زحمة العمل أو لأي سبب آخر، وتأكدا – أيها المبتعثون المتأزمون – أنها حين تصله، ستكتشفان أنه \"لا مشكلة أصلا\".