“ لا ”.. التربوية  علي بن يحيى الزهراني* @ بعض مؤسساتنا مثلنا تمامًا.. اعتادت أن تقول (لا).. (لا) لأي شيء، وفي كل شيء، ودون كل شيء!.. وتحتار أحيانًا لماذا لا ؟؟ لكنك لا تجد إجابة قطعية مع أنه بالإمكان أن يكون (نعم)!! . لكنك في النهاية تخرج بحقيقة أن سنَّة الحياة عند البعض كأنها تكاد أن تتمثل في شيء من (نعم)، وفي أشياء من (لا)، على اعتبار أن (نعم) تعني استجابة منفتحة، و(لا) تعني الرفض المنضبط!!. ومن الحكمة عند السياسيين أن تقول (لا) وأنت تريد (نعم)، وتقول (نعم) وأنت تقصد (لا)!!... ورغم أن (لا) لا نستسيغها أحيانًا؛ لأن فيها الكثير من التصادمية والنفور، إلاَّ إنها تظل أحيانًا أخرى مطلوبة، وبالذات في النواحي العلمية، والدينية. فهي (نصف العلم)، وذلك جاء للتثبّت والحرص كي لا يهرف الإنسان بما لا يعرف!!. إلاَّ أنّها من الجانب الآخر مرفوضة عندما يتعلّق الأمر بالمصالح والغايات!!. لكن يبدو أننا اليوم كسرنا القاعدة، فحوَّلنا (لا) الاحترازية العلمية إلى ثرثرة كثر فيها الهرّافون، وأصبحنا -ما شاء الله- كلنا نتشيّخ، ونحدّث، ونحلل، ونحرّم، ونفتي في كل صغيرة وكبيرة، بدءًا من مستوى قصر شاه بندر التجار، إلى حزمة علف الحمار، وأصبحنا كلنا السادة النجب، الذين لا يُشق لعقولهم، ولا لألسنتهم غبار!!.. وأظننا لو طاوعنا أنفسنا لأصبحنا كلنا أئمة في مساجد لا يوجد فيها مؤذنون!.. بينما نحن في مصالح العباد غالبًا ما نقول نعم. @ ولو تأملتم في حياتكم تجدونها مليئة بالكثير من (اللاءات)، وكأن حياتنا مركبة على الرفض أكثر ممّا هي مركبة على القبول!. ويبدو أن هذه (اللاءات) تولد معنا منذ ميلادنا، ونتعلّمها في طفولتنا: لا تلعب .. لا تتكلم.. لا تتحرك.. لا.. ولا.. ولا..!. وعندما نكبر أصبحنا نعايشها في الكثير من تعاملاتنا، بل وكأنها هي الثقافة الأُس لضبط وقع وحِراك حياتنا!!. حتّى الأنظمة التي تحكم كافة شؤوننا هي الأخرى مركبة على (فرضية) الاحتراز؛ لذلك تكثر فيها اللاءات أكثر ما تكثر فيها الاستجابات!. وكأن شخصيتنا نستمدها من هذه ال(لا)، وكأن فيها (الزبط والربط)، بينما (نعم) فيها الانفتاح والفوضى! ولا أدري ممّن استقى البعض مثل هذه الثقافة السلوكية الغريبة؟!. @ أقول هذا على المستوى العام، (لا) نستخدمها كثيرًا، وتثيرنا كثيرًا، وخصوصًا عندما تكون بلا معنى!. لكن الأكثر تأثيرًا في هذه اللاءات هي اللاء التربوية، واللاء الصحية؛ لأنهما تلامسان الصحة والمستقبل.. أو العقل والجسد، وهما ركيزة الحياة التي لا تستقيم بدونها، ولا يقبل أحد أن يزايد حتى على نفسه فيها!!. ** وإذا اختصصت بعنواني ما أسميته مجازًا اللاء التربوية، فدعوني أقترب أكثر من الجزئية التي أريد الوصول إليها!.. وهي هذه (اللاء) المتشعبة .. المستطيلة.. العريضة.. التي تقفل كل الأبواب، وتسد كل المنافذ في وجه مَن يبحث عن تحسين مستوياته العلمية ممّن يشغل الوظائف التعليمية!. مَن يريد أن يواصل دراسته للماجستير أو الدكتوراة من المعلمين لا يحصل على فرصة بسهولة، أو هو لا يحصل عليها مطلقًا. (بالقطارة) يترشح البعض ممّن يزحف فوق أنفاسه فيمر من تحت سيقان الملح؛ ليجد نفسه غير المصدق، وهو يلج أبواب الجامعة!!. @ وحقيقة اتّصل بي، وكتب إليّ العديد من الإخوة والأخوات من المعلّمين والمعلّمات أكثرهم له عدة سنوات وهو يحاول أن يعبر عنق الزجاجة، ولكن دون فائدة. ف(اللاء) تقف لهم بالمرصاد! ويقولون بأنهم بالآلاف ممّن يبحث عن فرصة التعليم العالي! . @ وحقيقة بالقدر الذي أتفهّم فيه حاجة الوزارة إلى معلّميها ومعلّماتها في وظائفهم.. لكن هذا لا يعني إطلاقًا ألا توجد آلية رشيدة تتفهّم الواقع، وتساير العصر، وتوازن ما بين حاجة الوزارة والحاجة الذاتية. وقد فهمتُ من البعض أنه بالإمكان الاستغناء عنه، لكن (لا) المتعجرفة تظل هي الآمر الناهي المسلّط على مستقبله!!. @ وبعيدًا عن هذه (اللاء) تعالوا ننظر إلى الأمر بعقلانية، ومن عدّة زوايا: 1- التطور التعليمي ومتغيرات العصر، وبالتالي ارتفاع سقف المستوى التعليمي. فما قبل ثلاثين سنة كنتُ أعتدُّ ب(البكالوريوس) كسقف مطلوب، أما الآن فإن الوضع تغير، ويجب أن تغيّر الوزارة من قناعاتها، بأن البكالوريوس لم يعد هو نهاية الحد السقفي للمخرج التعليمي. 2- الدولة تحاول أن تساير هذا التطور، ففتحت الباب على مصراعيه للابتعاث الخارجي، فهل يُعقل أن نضع نحن جدران الأسمنت في وجه الطامحين لتحسين مستوياتهم العلمية؟؟. 3- مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم هو مشروع رائد في التطوير، فهل يُعقل أن نطور الآلة ونغفل الدور التأهيلي والتطويري للعنصر البشري؟؟. ألا ترون (هنا) أن (اللاء) المطلقة فيها تناقض ضمني؟؟. 4- ثم (أنّى تُمطري فخراجك لي)، أليس هذا المعلّم أو المعلّمة، حين يرتقي بمستواه هو من صالح رسالته وعمله؟؟. @ أشياء كثيرة يجب أن تصغي إليها الوزارة من مستصرخيها، وأشياء أكثر يجب أن نفهما نحن من مسببات (لا) الرافضة للعقل لا للجنس. لكني أثق بأن الصوت سيكون مسموعًا، ولابد للوزارة من أن تجد له إجابته المفيدة. خاتمة : زيادة الشموع تزيد من حجم الضوء.. *************************** *أحد أبناء منطقة الباحة ، نائب رئيس تحرير سابق لصحيفة \"الندوة\" السعودية ، كاتب حالياً في صحيفة \"المدينة\" السعودية.