رفضت الخرطوم مقترحا مصريا يقضي بعقد مؤتمر دولي لبحث الأزمة بين الرئيس السوداني عمر البشير والمحكمة الجنائية الدولية بعد إصدار المحكمة مذكرة باعتقال البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، جاء ذلك في الوقت الذي هدد فيه البشير خلال زيارته اليوم الأحد لإقليم دارفور قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والدبلوماسيين وعمال الإغاثة من مواجهة الطرد من السودان، "إذا ما تجاوزوا القانون"،وقال في خطاب له بأن "المحكمة وكل من وقف معها تحت جزمتي دي". وقال وزير الدولة السوداني للشئون الخارجية علي كرتي: إن عقد مثل هذا المؤتمر الذي دعت إليه مصر "معناه تدويل قضية السودان وإقليم دارفور، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية"، مضيفا: "إذا كانت هناك أطراف تريد لهذه القضية أن تكون دولية، فإن السودان يرفض ذلك". و أرجع الخبير الأمني السوداني حسن بيومي رفض الخرطوم للدعوة المصرية إلى إعلان القاهرة لهذه المبادرة بدون الرجوع إلى الخرطوم. ومن جانبه، قال مستشار الرئيس السوداني السابق والقيادي بالحزب الحاكم د.قطبي المهدي: إن الحكومة تثمن الموقف المصري المؤيد للبشير، لكنها تعتمد المبادرة القطرية لحل مشكلة دارفور، ولا تريد أن تتشتت بين المبادرات الكثيرة التي طرحت أو ستطرح في المستقبل لحل المشكلة، وفي هذا السياق يأتي الموقف الحكومي من المبادرة المصرية الأخيرة". ووقع البشير وحركة العدل والمساواة في العاصمة القطرية الدوحة قبل أيام من صدور مذكرة اعتقال البشير، اتفاق "حسن نوايا وبناء ثقة" بعد سلسلة من الوساطات والمفاوضات التي قادتها الدوحة بين الطرفين. وكان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قد دعا إلى عقد مؤتمر دولي لبحث "التحديات التي يتعرض لها السودان، وخاصة مذكرة الاعتقال الصادرة بحق البشير"، بحسب متحدث باسم الخارجية المصرية. وقال المتحدث: إن أبو الغيط بعث رسائل عاجلة بهذا الشأن إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينج. البشير يتحدى على صعيد متصل، وصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى ولاية شمال دارفور، وقال حاكم الولاية عثمان محمد يوسف كبر: إن "جماهير القرى والضواحي احتشدت في الفاشر لتأييد البشير وشجب المحكمة"، فيما أعلن مصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس أن البشير سيوقع خلال الزيارة على عقد لشق أكبر طريق رئيسي في الإقليم. وتعتبر هذه الزيارة "تحديا محسوبا" من جانب الرئيس السوداني في وجه الانتقادات الغربيةوالأممية المتزايدة له بسبب قراره طرد 13 هيئة إغاثة عاملة في دارفور، والذي تلا إصدار مذكرة الاعتقال، بحسب ال"بي بي سي". وخلال الزيارة ألقى البشير خطابا أمام عدد من مواطني الإقليم حذر فيه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد، والدبلوماسيين، وعمال الإغاثة العاملين في السودان، من مواجهة خيار الطرد من السودان "إذا ما تجاوزوا القانون". وقال: "لدي رسالة إلى جميع البعثات الدبلوماسية في السودان، والمنظمات غير الحكومية وقوات حفظ السلام.. إن عليهم احترام سيادة هذا البلد، ومن ينتهكها منهم فسوف يتم إبعاده مباشرة عن البلاد". أزمة إغاثية وفي تبعات قرار الرئيس السوداني بطرد 13 منظمة إغاثة عاملة في السودان انتقدت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) القرار، وأعربت المديرة التنفيذية للمنظمة آن فينيمان عن قلقها من نتائجه على سكان الإقليم، مشيرة إلى أن ملايين من سكان دارفور يعتمدون على المساعدات الإنسانية من غذاء ورعاية صحية. كما طالبت الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي الجهة الحاكمة في جنوب البلاد، وشريك الائتلاف الحاكم في الخرطوم، الحكومة السودانية بالعودة عن قرارها بطرد المنظمات الإغاثية؛ "لأن ذلك القرار قد يكون له تداعيات كارثية على عشرات الآلاف من المشردين في دارفور"، وقالت الحركة إن القرار اتخذ دون علمها. من جهته، اتهم خليل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، الحكومة السودانية بمخالفة التفاهمات التي وقعتها مع الحركة في قطر مؤخرا بطردها منظمات الإغاثة من البلاد، وطرح اقتراحا يهدف إلى حل الأزمة الإنسانية في دارفور. ويستند الحل الذي قدمه خليل إبراهيم على ثلاثة محاور، أولها إعلان دارفور منطقة حظر للطيران الحكومي؛ لأن ذلك "يضر بالمواطنين ويربكهم"، على حد قوله، وطالب إبراهيم بما وصفه بأنه تفعيل إجراء شبيه بترتيبات "النفط مقابل الغذاء" الخاصة بالعراق إبان سنوات العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي. وقال إبراهيم إنه يطالب بوضع إيرادات النفط السودانية في صندوق دولي تحت رقابة مجلس الأمن، ومن هذا الصندوق يتم تمويل احتياجات النازحين واللاجئين الإنسانية والتنموية في الإقليم، مشيرا إلى أن بقية الأموال يمكن أن تصرف على التنمية البشرية في السودان بصفة عامة، مؤكدا ضرورة أن يحصل جنوب السودان على نصيبه بالكامل من هذه العائدات. واقترح زعيم العدل والمساواة أيضا السماح للمنظمات الإغاثية التي طردت من دارفور بدخول السودان من جهة الغرب عبر حدود تشاد أو إفريقيا الوسطى. وكانت الأممالمتحدة قد حذرت من أن خطر الموت يتهدد الآلاف من اللاجئين في دارفور الذين يعتمدون في معيشتهم على المساعدات الإنسانية في هذا الإقليم الواقع في غرب السودان. إلا أن الخرطوم تقول في المقابل إن بإمكانها سد العجز بواسطة هيئات الإغاثة السودانية، رغم قرار إغلاق ثلاث منها أيضا. ويقول السودان إن المنظمات التي طردتها "تجاوزت حدود العمل الإنساني، وخلطته بالعمل السياسي"، واعتبر أنها أخلت بالتزاماتها. وأكد مندوب السودان لدى الأممالمتحدة عبد المحمود عبد الحليم أن حكومة بلاده حذرت هذه المنظمات مرارا من التورط في مثل هذه "التجاوزات"، وأضاف أن الحكومة السودانية تقوم بأقصى جهد لتفادي حدوث فراغ في الوضع الإنساني بدارفور، وأنها تعمل على تعبئة الموارد والأشخاص لتأمين احتياجات سكان الإقليم.