حذر استشاري سعودي من انتشار استخدام مواد تشابه تأثيراتها السامة "الأسلحة الكيميائية"، ويتم تداولها بلا رقابة أو وعي كاف من قبل المستخدمين في السعودية. وقال الدكتور ماجد العيسى استشاري طب طوارئ الأطفال بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالرياض أن هناك تهاوناً كبيراً في استخدام مبيدات كيميائية تكون في متناول الأيدي، خاصة الأطفال. ولفت الى إن هذه المواد المتوفرة "بدون ضوابط صارمة" تشكل خطورة شديدة، وتؤدى إلى كوارث، وضحايا، وإصابات معيقة. ودعا العيسى الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات صارمة للرقابة والتوعية، ووضع ضوابط لتداول هذه المواد التي وصفها بأنها "أسلحة كيميائية بين أيدينا ولا نلقي لها بالاً " ونبه إلى المخاطر التي تحدثها هذه " المواد" وأشار العيسى إلى التناول الإعلامي الكثيف لاستخدام "الأسلحة الكيميائية" في سوريا، وقال: "ماتزال الجريمة البشعة التي ارتكبت بالأسلحة الكيميائية ضد أهالي الغوطتين في سوريا تثير موجات التنديد، وماتزال صور الضحايا، خاصة من الأطفال الذي قضوا في دقائق، تبعث على انقباض النفس. وليس مثل الأطباء من يعلم خطورة المواد التي أحدثت تلك الكارثة، والأهوال التي تسسببها هذه المواد الفتاكة، ولذلك أجمعت الأمم والشعوب على حظرها وتحريمها دولياً وأوضح أنه وعلى الرغم من كل المخاطر المنشورة في الإعلام عن هذا السلاح، المعروف بين الناس ب "الكيماوي"، للأسف الشديد لا يلقي الكثيرون بالاً لكون هذه "المواد" المهلكة متداولة بيننا في المجتمع السعودي. وقال مؤكداً : نعم "الكيماوي" الخطير مبسوط في مجتمعنا .. ويمكن الحصول عليه ببساطة بدون أي قيود أو اشتراطات، وضحاياه كثر. واستطرد مضيفاً: نحن الأطباء في غرف الطوارئ نشاهد من حين لآخر نساء وأطفالاً يقعون ضحايا استخدام مواد كيميائية شديدة السمية متداولة بدون ضوابط، وقد نتمكن من إسعاف بعض الحالات بينما يفقد البعض الآخر حياته في غضون دقائق، رغم المحاولات المضنية لإنقاذهم. وقدم الدكتور ماجد العيسى تجربة عملية لإثبات "التهاون في تداول هذه المواد الكيميائية"، فقال إنه ذهب في جولة استطلاعية لمحاولة الحصول على "هذا السلاح الفتاك". كانت بداية الرحلة من الصيدليات البيطرية قرب سوق الإبل بشرق مدينة الرياض. طلبت من البائع إعطائي الجرَة (وهو الاسم الشائع للمبيدات الحشرية من فئة المركبات الفوسفورية العضوية)، لاستخدمها لعلاج قمل الرأس لدى طفل، كان البائع أميناً ورفض البيع لهذا الغرض، وأخبرني أن هذه المادة سامة وتوجد بدائل أخرى دوائية أكثر أماناً وفعالية في الصيدليات. ويقول العيسى إنه لاحظ أن البائع في المحل المجاور مهتماً بأكثر من الربح المادي، وعرض علي مجموعة من العبوات مختلفة الأحجام والتركيزات، اشتريت إحداها بثلاثين ريالاً فقط، ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن الغرض من الشراء!! العبوة مهيبة الشكل تصلح لوضعها على رأس صاروخي، وتحمل ملصق أصفر اللون عليه علامات "ضار" و"سريع الاشتعال" بخط صغير تعلوها عبارة تؤكد أنها مبيد فعَال ضد الطفيليات، بينما تحمل صورة جانبية لحيوانات وتعليمات معقدة بشأن التركيزات وتعليمات للتصرف عند استنشاق المادة أو ملامستها العين بغسلها بالماء فقط. وكاشفاً عن المزيد من نتائج جولته الاستطلاعية أوضح العيسى أنه لم يجد على العبوة (المصنعة وطنياً) ما يشير إلى أنه محظور استخدامها على البشر، وأنها شديدة الفتك (التعليمات التي تجدها تشبه تلك الموجودة على المنظفات المنزلية اليومية المحدودة الضرر)، ولم تكن مهمة الحصول عليها شاقة كما تصورت تتطلب الحرص والمرواغة والمداهنة. ولذلك طالب الدكتور العيسى باتخاذ إجراءات صارمة للرقابة والتوعية من قبل وزارة الزراعة والأمانة وهيئة الغذاء والدواء، والجهات الأخرى. مشيراً إلى أنه خلال أكثر من 15 عاماً قضاها في مهنة طب الأطفال والطوارئ شاهد الكثير من الوفيات والإصابات الشديدة نتيجة لوجود لقناعة شعبية منتشرة بفعاليتها هذه المواد في القضاء على قمل الرأس!!. وقال معبراً عن استغرابه لمدى التهاون في التعامل مع هذه المواد إنه قام ببحث واستقصاء فوجد أن هذه المادة تستخدم وسيلة للانتحار في الدول الزراعية الفقيرة، بينما نشرت إحدى المجلات العلمية الفرنسية عن تعرض طفل للإصابة بها في حادثة نادرة!! وحتى يتم اتخاذ الإجراءات الصارمة الواجبة للرقابة والتوعية يجب التأكد من توافر ترياق (الاتروبين) بكميات كبيرة في غرف الطوارىء تحسبا للحالات التي تقع ضحايا سوء استخدام نظائر الأسلحة الكيميائية، مثل "الجرَة " القاتلة.