(شرق)- بيروت - خفَّفت الانفراجة التي حدثت بين الدول العربية المتنافسة من حدة الضغوط السياسية في لبنان، مما يقلل من المخاطر في الانتخابات التي تجري في يونيو/حزيران والتي يرجح أن تسفر عن تشكيل حكومةٍ أخرى موسعة تضم الفصائل وقد نجح تحسن العلاقات بين سوريا والسعودية والمفاتحات من الإدارة الأمريكيةالجديدة تجاه دمشق في التخفيف من مرارة الصراع السياسي اللبناني الذي غذته التوترات الإقليمية على مدار الأعوام الأربعة الماضية. وتخوض التحالفات اللبنانية المتنافسة، التي وصل الصراع على السلطة بينها إلى شفا حرب أهلية العام الماضي، الانتخابات البرلمانية التي تجري في السابع من يونيو عبر الدفع بقوائم مرشحين متعارضة في أنحاء الدولة العربية التي أجريت آخر انتخابات بها عام 2005. وترمي حركة 14 آذار المناهضة لسوريا بقيادة السياسي السني المدعوم من السعودية سعد الحريري إلى الدفاع عن أغلبيتها في مواجهة تحالف الثامن من آذار الذي يضم حزب الله الشيعي المدعوم من إيران وسوريا. ومن المتوقع أن تسفر الانتخابات عن أغلبية طفيفة لأيٍّ من القائمتين في كل الأحوال يقول الكثير من الساسة إن تشكيل حكومة جديدة تضم معظم اللاعبين الرئيسيين أمرٌ مفروغ منه. وإذا استمر مناخ الانفراج الإقليمي، يتوقع كثيرون أيضًا تغيرًا في الملامح السياسية للبلاد وتفكيك تحالفات قائمة. والنبرة التصالحية التي صدرت عن السياسي الدرزي وليد جنبلاط الصقر السابق بحركة 14 آذار أحد المؤشرات على أن الفترة القادمة ستشهد قدرًا أقل من الانقسامات وقال جنبلاط: "الصورة ستختلف عن الصورة القائمة حاليًا، الانقسام الحاد لن يستمر كما هو موجود اليوم بين 14 آذار و8 آذار". وفي ظل مناخ محلي وإقليمي ينطوي على قدرٍ أقل من المواجهة، تحسن الاستقرار الداخلي للبنان بالفعل. ويتحرك الزعماء، الذين نادرًا ما كانوا يغادرون منازلهم خوفًا من الاغتيال، الآن بحرية أكبر، ومرت سبعة أشهر على آخر مرة تم فيها اغتيال سياسي لبناني. وحتى أكثر المراقبين تشاؤمًا يعتقدون أن لبنان ربما بدأ يخرج من أكثر من أربع سنوات من الاضطرابات التي أطلقها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط عام 2005 وأثار حادث الاغتيال الأزمة العميقة في العلاقات بين سوريا والسعودية التي ربطتها علاقات وثيقة برجل الأعمال الملياردير الذي نُظر إليه على أنه رمز لنفوذ الرياض في لبنان. كما فاقم الانقسامات بين حلفاء سوريا ومعارضيها في البلاد، مما مهد الطريق لمواجهة سياسية أصابت الحكومة بالشلل لمدة 18 شهرًا، وتسببت في أسوأ اضطراب داخلي منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. ونفت سوريا اغتيال الحريري لكنها اضطرت لسحب قواتها التي كانت في لبنان منذ عام 1976، وجرت الإشادة بالانسحاب السوري وفوز حركة الرابع عشر من آذار بالانتخابات عام 2005 بوصفهما نجاحين على صعيد السياسة الخارجية لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الذي سعى إلى عزل سوريا. وفتحت واشنطن الآن اتصالات مع دمشق ورحب الساسة اللبنانيون بالتقارب بين السعودية وسوريا الذي يعكس جزئيًّا نهج أمريكا الجديد حيث يقولون إنه ساعد على تحقيق الاستقرار لبلادهم. وقال ساطع نور الدين المعلق السياسي بجريدة السفير إنه في الوقت الحالي قررت الدولتان احترام مصالح بعضهما بعضًا بدلاً من تحديها في لبنان. وكتب أنه مع اقتراب الانتخابات خالفت الحكومات الأجنبية التي تدخلت في لبنان التوقعات المحلية بعدم ضخها مبالغ كبيرة من الأموال للانتخابات أو من خلال تدبير حوادث أمنية للتأثير على النتائج. وأضاف "الجميع يكتفون بالمراقبة من بعيد نسبيًّا ويرغبون فعلاً بأن تظل الحملة الانتخابية هادئة ومسلية ومعبِّرة عن الحاجة المشتركة بأن يخرج لبنان من دائرة المواجهة إلى حلقة المصالحة". ومن المرجح أن يتمخض هذا المناخ عن حكومةٍ جديدة تضم معظم إن لم يكن كل الفصائل الرئيسية النظام السياسي للبنان، الذي يوزع المناصب الحكومية وفقًا للهوية الطائفية. ورغم أن سعد الحريري الزعيم السني الأكثر شعبية في البلاد قال إنه لن يشارك إذا فاز حزب الله وحلفاؤه بالأغلبية، لم يستبعد بعض حلفائه الفكرة. حتى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي يخوض الانتخابات البرلمانية ضمن كتلة الحريري عبَّر عن دعمه لتشكيل حكومة وحدة لكن دون تمتع الأقلية بحق النقض. وقال نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان الأسبق إن على لبنان الذي عانى أزمات داخلية متعددة منذ الاستقلال أن يستغل فترة الهدوء الحالية أو يجازف بمزيد من انعدام الاستقرار. وأضاف ميقاتي الذي ينظر إليه على أنه خليفة محتمل للسنيورة "الحقيقة اليوم إذا لم نستفد من هذا الواقع العربي وانعكاسه واستطعنا أن نبني وندعم الدولة اللبنانية نكون عند أي عاصفة أخرى في مهب الريح".