ما أن أعلنت القوات الأمنية اليمنية في 24 أغسطس / آب عن سيطرتها على مدينة لودر الواقعة بمحافظة أبين بعد أيام من القتال المتواصل مع عناصر من تنظيم القاعدة كانوا نصبوا كمائن أدت لمقتل عدد من الجنود الحكوميين ، إلا وخرج أنور العولقي الإمام الأمريكي الجنسية والمنحدر من أصول يمنية على الفور بتصريحات تعهد خلالها بقتال أمريكا حتى آخر عنصر من مسلحي تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" والذي يتخذ من اليمن منطلقا له. وأضاف العولقي المتهم بتمويل "الإرهاب" من قبل الإدارة الأمريكية والموجود حاليا في اليمن في بيان له "سنستمر في القتال ضد أمريكا حتى يقاتل آخر فرد من أفراد القاعدة المسيح الدجال". واتهم الحكومة اليمنية بالتواطؤ وتقديم التسهيلات للطائرات الأمريكية التي قصفت أحد أعضاء القاعدة ويدعى الكلوي وأربعة من مرافقيه بصواريخ كروز والقنابل العنقودية في جنوب اليمن . وتوعد أمريكا وحلفائها بالثأر لقتلى القاعدة وخص بالذكر الحكومة اليمنية التي وصفها بحكومة "المرتد الأسود العنسي". واللافت للانتباه أن تهديد العولقي السابق جاء متزامنا أيضا مع إعلان وزارة الداخلية اليمنية في 24 أغسطس أن أربعة من عناصر تنظيم القاعدة قتلوا في اشتباكات مع الشرطة في مدينة لودر بمحافظة أبين الجبلية ليرتفع بذلك عدد القتلى من العناصر التي يشتبه في انتمائها للقاعدة خلال الحملة العسكرية التي شنتها القوات اليمنية منذ 20 أغسطس في لودر إلى 18. وكانت وزارة الداخلية اليمنية أعلنت في 20 أغسطس عن مقتل 11 جندياً بكمين في لودر بمحافظة أبين نصبته عناصر من تنظيم القاعدة مما دفع القوات المسلحة اليمنية إلى توجيه تعزيزات للمنطقة لتندلع بعدها اشتباكات دامية . وأضافت الوزارة أن الشرطة داهمت منازل يختبئ فيها مسلحو القاعدة ومسلحون آخرون موالون للحراك الجنوبي في مدينة لودر التي يبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف شخص وعثرت على قذائف "آر بي جي" وأسلحة وذخائر وقنابل خلال عمليات الدهم ، فيما تمكن بعض المسلحين من الفرار من المدينة المحاصرة. وفي المقابل ، أعلن نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض الذي يعد من أبرز قياديي الحراك الجنوبي أن ما حصل في لودر هو حملة عسكرية ضخمة شنتها قوات نظام صنعاء ضد الأهالي ، متذرعة بمطاردة عناصر من تنظيم القاعدة ، مؤكدا وقوع ضحايا بين الأبرياء وتدمير العديد من المنازل. وأضاف البيض المقيم في المنفى أن الحملة العسكرية الموجهة إلى لودر استهدفت "صمود شعب الجنوب بوجه الاحتلال ورفضه القاطع لوجود قوات الاحتلال ", قائلا :" وما التذرع بمحاربة تنظيم القاعدة إلا محاولة للتغطية على المجازر التي ترتكب بحق شعبنا بغية كسر مقاومته المدنية السلمية للاحتلال". وتابع أن الحملة العسكرية كانت تهدف إلى جر الحراك الوطني الجنوبي السلمي إلى مواجهات عسكرية بغية تصفيته بعد أن تحول الى رقم صعب وحالة رفض مدنية سلمية جنوبية شاملة لما أسماه الاحتلال. وطالب البيض الجامعة العربية والأمم المتحدة ب "التحرك الفوري لوقف المجازر والتحقيق في مزاعم وانتهاكات نظام صنعاء". وبصرف النظر عن تصريحات البيض وتهديدات العولقي ، فإن كثيرين لايتوقعون أن تتراجع حدة المواجهات بين القوات اليمنية ومسلحي القاعدة في المستقبل القريب ، فالأشهر الماضية شهدت هجمات متصاعدة للقاعدة على القوات الأمنية والمسئولين الحكوميين في جنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة حتى العام 1990 والذي يشهد أيضا حركة احتجاج واسعة ازداد طابعها الانفصالي بشكل كبير وتعرف باسم الحراك الجنوبي . ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد في ضوء ما تردد عن العمليات العسكرية السرية التي بدأتها إدارة أوباما في عدد من دول المنطقة وخاصة اليمن . فتنظيم القاعدة أعلن في وقت سابق في بيانات نشرها على مواقع إسلامية على الإنترنت أن هجماته على أهداف حكومية يمنية سببها تعزيز التعاون العسكري الأمريكي اليمني ضد التنظيم. وتبنى التنظيم بالفعل مسئولية خمس هجمات في حزيران/يونيو وتموز/يوليو الماضيين من بينها هجوم استهدف مقر أجهزة الاستخبارات في مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن وأسفر عن مقتل 11 شخصا في 19 حزيران/يونيو الماضي. بل وكشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية في 23 أغسطس أن نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن يزداد بشكل كبير وأن عناصره باتوا يتغلغلون حتى بين القوى الأمنية اليمنية. وأضافت الصحيفة في تقرير لها أن التنظيم يوفر بيئة ملائمة للملتحقين الجدد في اليمن حيث يزودهم ببرامج دراسة العقيدة الجهادية ل"القاعدة" والاستماع إلى منظري التنظيم بمن فيهم أنور العولقي رجل الدين اليمني "المتشدد" والمطلوب من قبل أمريكا. وبجانب ما ذكرته "الجارديان" فإن القاعدة تستغل تردي الأوضاع الاقتصادية والاضطرابات في الجنوب وتمرد الحوثيين في الشمال في زيادة شعبيتها ومواجهة خطة بترايوس في الوقت ذاته . وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كشفت في 25 مايو الماضي عن خطة وضعها قائد القيادة الأمريكية الوسطى السابق وقائد القوات الأمريكية في أفغانستان حاليا ديفيد بترايوس في سبتمبر 2009 تسمح بإرسال قوات أمريكية خاصة إلى دول صديقة وعدوة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الإفريقي كإيران والسعودية والصومال وغيرها لجمع المعلومات الاستخبارية وبناء علاقات مع القوى المحلية للقضاء على القاعدة . وأضافت الصحيفة نقلا عن وثائق ومسئولين عسكريين أمريكيين أن الأعمال الاستخبارية وفقا لخطة بترايوس قد تفتح الطريق أمام هجمات عسكرية محتملة ضد إيران على خلفية ملفها النووي ، كما تهدف الخطة إلى بناء شبكات قادرة على إضعاف وتدمير القاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة وتحضير البيئة لهجمات مستقبلية قد تشنها القوات الأمريكية أو القوات المحلية الموالية لها . أيضا ، فإن الخطة التي وقعت في 30 سبتمبر 2009 هي التي سمحت بحسب الصحيفة للقوات الأمريكية بأن تنشط في اليمن بعد ثلاثة أشهر من بدء العمل بها، حيث تعمل تلك القوات على تفكيك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. كما تهدف الولاياتالمتحدة من خلال توسيع نشاطاتها العسكرية السرية إلى الحد من الاعتماد على وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من أجهزة الاستخبارات للحصول على معلومات في مناطق لا تتواجد فيها القوات الأمريكية. وتعتمد الخطة على استخدام فرق صغيرة من القوات الأمريكية لملء الثغرات الاستخبارية حول "المنظمات الإرهابية" وغيرها من التهديدات في الشرق الأوسط وما بعده خاصة فيما يتعلق بالجماعات الصاعدة التي تخطط لشن هجمات ضد الولاياتالمتحدة. ووفقا للصحيفة ، فإن بعض المسئولين الأمريكيين أعربوا عن قلقهم من أن العمل العسكري السري قد يوتر العلاقات مع الحكومات الصديقة مثل السعودية واليمن أو يثير غضب الحكومات التي تعتبرها الولاياتالمتحدة عدائية مثل إيران وسوريا ، كما أن الكثيرين في الجيش قلقون من أن القوات الأمريكية قد تتورط في عمليات تتجاوز القتال التقليدي ما يعرضهم لخطر معاملتهم كجواسيس في حال ألقي القبض عليهم ما يحرمهم من حق الخضوع إلى اتفاقية جنيف ، بالإضافة إلى أن سقوط مدنيين في تلك العمليات العسكرية السرية من شأنه أن يضاعف العداء لأمريكا . ويبدو أن المخاوف السابقة وجدت آذانا صاغية على أرض الواقع بشكل أسرع من المتوقع وتحديدا في اليمن التي تم التركيز عليها في خطة بترايوس ، ففي 19 يونيو الماضي وبعد ساعات من تهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ب"إحراق الأرض تحت أقدام الحكومة اليمنية وحليفتها واشنطن " ردا على ما وصفه بالعدوان على نساء وأطفال وادي عبيدة في محافظة مأرب شرقي البلاد ، فوجىء الجميع بهجوم دام نفذه مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة على على مبنى المخابرات اليمنية "الأمن السياسي" في عدن جنوب اليمن مما أسفر عن مقتل 11 شخصا . بل وكان الأمر اللافت للانتباه هو الكشف عن تحرير سجناء من القاعدة في الهجوم وهو ما أعاد للأذهان نجاح عشرة من عناصر التنظيم في الفرار من نفس السجن عام 2003 ومن هؤلاء كان الشخص الذي أدين بالتخطيط بمهاجمة المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في ساحل عدن عام 2000. وبالنظر إلى أن مدينة عدن هي كبرى مدن جنوب اليمن وتخضع لانتشار أمني مكثف فقد وصف كثيرون الهجوم بأنه عملية على مستوى عال من الدقة تؤكد تطور قدرات القاعدة الاستخباراتية ، هذا بالإضافة إلى أنها تجهض مبكرا احتمالات نجاح خطة بترايوس في اليمن ، حيث ظهر الهجوم وكأنه معركة لكسب الشرعية حينما حاولت القاعدة إحراج الحكومة اليمنية وحليفتها واشنطن بعدما تردد عن قيام طائرات حكومية بمساعدة أمريكية بقصف عشوائي في محافظة مأرب أسفر عن مقتل مدنيين ، كما ظهرت القاعدة وكأنها تركز على استهداف مواقع أمنية واستخباراتية تتعاون مع واشنطن فيما كانت الحكومة اليمنية تحاول استغلال تلك الهجمات لإثارة مشاعر الغضب تجاه القاعدة باعتبارها تستهدف عسكريين يمنيين أبرياء . بل إن هناك تقارير أشارت إلى أن الهجوم الدامي في عدن جاء بعد ساعات من اجتماع سري عقد في صنعاء واستهدف إنشاء قيادة ميدانية أمريكية يمنية لبحث كيفية تنفيذ خطة بترايوس وهو ما رجح أن القاعدة أعدت العدة لإجهاض هذا الأمر مبكرا . والخلاصة أنه لا خيار سوى الحوار بين كافة اليمنيين لمواجهة المخاطر التي تواجه بلادهم والتي تنحصر في تزايد نشاط القاعدة والدعوات الانفصالية والتمرد الحوثي ، بالإضافة إلى التأكد من حقيقة مفادها أن الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن وأن الخاسر في النهاية هو اليمن ذي التاريخ الحضاري العريق .