في الوقت الذي لازم معظم رجال التيارات الدينية البيت خوفاً من أمن الدولة، ولم ينزل أي منهم للمشاركة في ثورة 25 يناير إلا بعد ثبوت رؤية النصر للميدان واقتراب نهاية النظام، وفي الوقت الذي أطلق شيوخ الفضائيات صيحات التحذير وفتاوي التحريم التي تدعو الي عدم الخروج علي الحاكم وولي الأمر. لم تهاب المرأة المصرية قوات الأمن أو بطش النظام ولم ينطلي عليها فتاوي شيوخ البزنس!!. فخرجت المثقفة والأمية، العاملة وربة البيت، طالبة الجامعة وتلميذة الثانوي للمشاركة في ثورة 25 يناير منذ انطلاق الشرارة الأولي، بل هناك من شاركن في الأعداد والحشد علي صفحات الإنترنت والفيس بوك في الإيام السابقة علي الثورة. ومن أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحياة آدمية ومعاملة إنسانية يظفر بها الشعب بشكل عام والجنس اللطيف بشكل خاص دفعت المرأة ثمن ذلك من كرامتها عندما أخُضعت لكشف العذرية ودفعت الثمن من جسدها عندما ضُربت وسُحلت وأصيبت وكان الثمن باهظاً عندما اُسيلت دماؤها الذكية الطاهرة في ميدان التحرير وجميع ميادين مصر. كانت المرأة نبراساً للثورة ومصدر للتفاخر والتباهي شعلة نشاط شاركت في تحرير الوطن من الفساد والقضاء علي الظلم والطغيان. ولكن بدلاً من تكريمها علي مواقفها المشرفة، وبدلاً من تقديم الشكر والعرفان ورد الجميل باعتبارها أحد أهم الأسباب البارزة التي جعلت هذه التيارات تصل إلي قبة البرلمان سواء من خلال دورها في الثورة والإطاحة بالنظام أو من خلال حرصها ومشاركتها الكثيفة غير المسبوقة في الانتخابات البرلمانية حيث كانت مشاركتها مصدر اهتمام وإشادة من جميع وسائل الإعلام العالمية. يبذل بعض رجال التيارات الدينية جهوداً حثيثة ومحاولات مستميتة لإقصاء المرأة ليس عن المشهد السياسي فحسب بعد أن جعلوا منها ديكور لنتخابي زيّنت به القوائم الانتخابية لا أكثر، بل إقصائها من المشهد المصري بالكامل. انزعجت وصدمت كما صدم الكثير من اصحاب الفكر المعتدل والمنطق المتزن من تلك التصريحات العدائية والعنصرية اتجاه المرأة والتي جاءت علي لسان بعضاً ممن يتخذون الإسلام ستاراً _ والإسلام من فكرهم برئ _ للتنفيث عن حقدهم وعقدهم ونفسياتهم المريضة ونظراتهم السوداوية والدونية للمرأة. فمرة تعلو أصواتهم مطالبة بمنع عمل المرأة، ومرة أن تحصل المرأة علي نصف الراتب الذي يحصل عليه الرجل لتوفير الأموال اللازمة لتوظيف الشباب، وأن يكون أولوية التوظيف عند الإعلان عن المسابقات للرجال، متناسين أن أكثر من ثلث الأسر المصرية كما تشير الإحصائيات عائلها الوحيد امرأة تعمل وتكد وتصرف علي أسرتها كونها أرملة أو مطلقة أو هجرها الزوج لتلبية نداء الشيطان بالركض خلف رغباته ونزواته! أو كونها عائل لأسرة ابنها عاق وربها مريض ولا معيل لهذه الأسرة سوي ابنة بارة بوالديها تعمل من أجلهما، فليقول لنا هؤلاء ماذا سيكون مصير تلك الأسر لو تم منع المرأة عن العمل أو حصلت علي نصف أجر الرجل؟! ولم يتوقف الأمر عند المطالبة بمنع عمل المرأة بل يطالب هؤلاء بإلغاء القوانين التي انصفت المرأة إلي حد ما مثل قانون الخلع والحضانة وأن لا تحمل المرأة جواز سفر خاص بها وغيرها من المطالب المبرر ة بحجج واهية، فالخلع لا يتعرض مع الشريعة الإسلامية فالقرآن الكريم يبين مشروعية الخلع، وكذلك ثبت في السنة الشريفة ما يبين مشروعيته، وتطبيقه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري والنسائي عن عبد الله بن عباس قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكبر الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة وكان هذا أول خلع في الإسلام. جمهور الفقهاء على مشروعية الخلع: يرى جمهور الفقهاء، مشروعية الخلع، لدلالة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة . وليس في كل الأحوال الخلع سبباً من اسباب انهيار الأسرة بل في أحياناً كثيرة هو بمثابة طوق النجاة لفرار زوجة من جحيم زوج يضرب أو يخون صاحب نزوات زير للنساء أو زوج بخيل أو زواج تم إرغامها عليه. فكيف تجبر الزوجة علي معاشرة زوج لا يصون كرامتها ولا يحافظ علي الأسرة أو زوج أجبرت عليه بفعل جبروت أب وسطوة أسرة؟! ثم نأتي إلي موضوع إلغاء المجلس القومي للمرأة الذي يطلق عليه إصطلاحاً مجلس الهانم نسبة إلي زوجة المخلوع سوزان مبارك أري مطلب إلغاء هذا المجلس ليس بسبب أنه من صناعة ومخلفات النظام السابق كما يدعي مؤيدي فكرة الإلغاء، فلو كان الأمر كذلك ل طالبوا أيضاً بإلغاء المجلس الأعلي للشباب والرياضة، وهو أحد الجهات التي تم تدشينها لتلميع جمال مبارك في الأوساط الشبابية تمهيدأ لتوريثه الحكم. إذاً هذا المطلب ما هو إلا نوع من أنواع العداء والعنصرية ضد المرأة ومحاربة أي جهة قد تعنى بشؤونها. نعم وبكل تأكيد المجلس القومي للمرأة له سلبيات كثيرة وأخطاء واضحة، ولكن المطالبة بألغائه مطلب سخيف ف وجود هذا المجلس ككيان مؤسسي وتنظيمي يحارب تهميش المرأة والعنصرية ضدها ويحافظ علي حقوقها ويدافع عن مطالبها شيئ ضروري، فالمطالبة بإلغائه خطأ جسيم. يجب الإبقاء علي المجلس مع إصدار حزمة من الإجراءات التي تدخل تغيرات جوهرية علي هذه المؤسسة مثل تعديل القانون المنظم للعمل فيه وتنقيح لائحته الداخلية وتقويم مساره وغربلة أخطاؤه ووضع برنامج ونظام عمل يسير وفقاً لطبيعة المجتمع المصري ويستمد منهجه من وسطية الإسلام وبما لا يتعرض مع الشرع، وأن يتولي شأن المجلس قيادات نسائية ذات كفاءة مشهود لهن بالنزاهة والخلق. فمن الجهل بل من الغباء ربط بعض الحقوق التي حصلت عليها المرأة ونصفتها إلي أحد ما بسوزان مبارك أو بأي سيدة أولي سابقة، فالحقوق التي حصلت عليها المرأة كانت نتيجة كفاحها ونضالها سنوات طويلة منذ ثورة 19 إلي ثورة 25 يناير. نتمني أن يدرك أصحاب الرأي المتشدد أن الصدام مع المرأة المصرية شديد الخطورة وأن هذا التحدي والتهميش لنصف المجتمع كفيل بأن يسحب من تحت أقدامهم بساط السلطة وكرسي البرلمان في الانتخابات القادمة، فالمرأة المصرية لن تفرط في حقوقها التي حصلت عليها بتلك السهولة التي يعتقدها هؤلاء. فمن الصعب أن ترضخ المرأة لتلك المحاولات والمؤامرات التي تحاك من أجل إدخالها قفص الحريم مرة أخري والعودة بها إلي عصر الجواري وحرمانها من حقها في المواطنة التي يكفلها لها الدستور وكل الشرائع السماوية، القانون لا يفرق بينها وبين الرجل في الواجبات المفروضة، فلماذا يتم التفريق بينها وبينه في الحقوق الممنوحة. المرأة ترفض وبقوة أن تكون جارية في حرملك الثورة المصرية! اوعاد الدسوقي. كاتبة وإعلامية