في أول تجربة عربية من نوعها، بدأ أعضاء بعثة المراقبين العرب في السادس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي مهمة اتسمت حتى قبل أن تبدأ بالصعوبة وحامت حولها الكثير من الشكوك لرصد الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة السورية لوقف العنف، والتمهيد لفترة انتقالية سلمية والاطلاع على مدى تطبيق النظام السوري لبنود خطة وقعها مع الجامعة العربية، وذلك لوقف العنف الذي يعصف بالبلاد وراح ضحيته آلاف القتلى بعد اندلاع تظاهرات واحتجاجات شعبية مستمرة في ربوع البلاد منذ منتصف مارس الماضي تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد. ورغم أن مثل هذه الخطوة تمثل امتحانًا عسيرًا لمصداقية جامعة الدول العربية، واختبارًا لدورها الجديد في ظل ما بات يعرف بربيع الثورات العربية، إلا أنها افتقدت المقومات اللازمة لنجاحها على ما يبدو، ولم يتم التحضير لها جيدًا وهو ما كان سببًا في رفض الكثيرين لها واعتبارها بمثابة فرصة ذهبية للنظام السوري لمواصلة مسيرة القتل والتدمير التي يؤديها بنجاح باهر وسط مشاهدة عربية ودولية. الأمر المؤكد أن البيئة التي تعمل فيها البعثة العربية لا يمكن أن تؤدي بحال من الأحوال إلى نجاح من حيث التعتيم الإعلامي على ما يدور بداخل سوريا ومدنها المختلفة وخاصة الساخنة منها مثل حمص وإدلب وحماة ودرعا، فمصادر الأخبار هي إما المعارضة أو الأجهزة الحكومية دون وجود أجهزة إعلام دولية محايدة ومستقلة. وتؤدي البعثة العربية دورها في ظل تفاقم الأوضاع في سوريا، وغياب شبه كامل للأمن في بعض المدن، حيث ضاعفت قوات الأمن السورية من مستويات العنف ووتيرة القتل والمجازر لترهيب المواطنين، كما فرض النظام السوري رقابة لصيقة على المراقبين العرب بواسطة عناصر من المخابرات السورية وهو ما يضمن للنظام التحكم في تحركاتهم وعدم انحرافهم عن المكان والزمان المناسبين للسلطات الرسمية، إضافة إلى إرهاب المواطنين ومنعهم من الإدلاء بأقوالهم خوفًا من الاعتقال والتعذيب. إضافة إلى ذلك، هناك شكوك كثيرة في نزاهة رئيس فريق المراقبين العرب في سوريا الفريق أول الركن “محمد مصطفى الدابي”، وهو مدير سابق للاستخبارات ومستشارًا للرئيس السوداني “عمر البشير” وملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. هذا فضلاً عن قلة عدد المراقبين العرب مقارنة بتمدد الاحتجاجات واتساع نطاق العنف والمذابح في كثير من المدن السورية مما يتطلب معه توفير مئات المراقبين وانتشارهم في نفس التوقيت بالمدن الكبرى؛ لإضعاف فرص التضليل التي يقوم بها النظام السوري. ومما يضعف الآمال في نجاح مهمة المراقبين حداثة التجربة وضعف خبرة الجامعة العربية في هذا المجال، فهي لأول مرة توفد مراقبين للفصل في أزمة سياسية، إضافة إلى أن الجامعة مازالت تشهد انقسامًا بين أعضائها ما بين مؤيد ومعارض لتدويل الأزمة السورية. في ضوء ما سبق، فإن النتيجة المنطقية هي عدم قدرة المراقبين العرب على إعداد تقارير موضوعية عما يجري على الأرض السورية وصعوبة تنفيذ الخطة العربية، والتي تنص على سحب الجيش السوري من المناطق السكنية ووقف القتال وإطلاق سراح من اعتقلوا في المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بالدخول إلى مناطق التوتر والعمل فيها بحرية. ولكن، تبقى خطوة إرسال المراقبين العرب والمبادرة العربية في سوريا خطوة مهمة بل ومطلوبة، صحيح أنها قد تضفي على النظام السوري شرعية هو في أمس الحاجة إليها، وربما تمنحه بعض الوقت لممارسة القتل الممنهج ضد المحتجين والمتظاهرين، إلا أنها أيضًا ستنزع عنه كل الحجج التي يتخذها ذريعة للاستمرار في سياساته الوحشية ومجازرة اللاإنسانية ضد المواطنين العزل في حال ما فشلت مهمة المراقبين العرب، وهو الاحتمال الأرجح أو حتى في حال نجاح مهمتهم؛ لأنهم بالتأكيد - في حال ما تمتعوا بالنزاهة والمصداقية - سيتوصلون إلى ما يدين النظام السوري، حيث سيكون مصيرها التجاهل والرفض ولن توضع موضع التطبيق. كما أن اكتمال مهمة المراقبين العرب سواء تكللت بالنجاح أو كان مصيرها الفشل سيضع الكثير من الدول التي مازالت تضع ثقتها في النظام السوري أمام مسؤوليتها الأخلاقية وقد يدفعها إلى ضرورة التحرك الجدي لوضع الحلول الملائمة، وهنا لن يكون من مفر سوى إحالة القضية برمتها إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار أممي ملزم تتوافر فيه المقومات اللازمة للتنفيذ.