الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد : إن المتأمل لحال كثير من الناس في هذا الزمان العجيب ليرى انصرافهم إلى الملهيات وحب الدنيا على الآخرة حتى أهملوا الواجبات فترى مثلاً الأطفال يهيمون في الشوارع دون حسيب ولا رقيب ( وقفوهم إنهم مسئولون ) سورة الصافات الآية : 24 ، ولو ذهبت إلى الأسواق لرأيت الكثير من النساء اتخذت الأسواق لهوا ً ومرتعا ً وبسبب ذلك الإهمال من الزوج وعدم التعامل الحسن مع أهل بيته حدثت الفواجع التي تهز النفوس الأبية العفيفة من خيانات زوجية فيا حسرتاه على أخلاق هؤلاء ! ويا ألماه على فضيلة هؤلاء ! فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ومع هؤلاء وهؤلاء يظهر لنا صنف من الناس وهم الذين استهواهم الشيطان وجعلهم جنودا ً له فمابرحوا إلا أن يقضوا مضاجع الضعفاء والمساكين ويقتطعوا حقوق الناس هؤلاء هم ( الظلمة ) ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ : " ثلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يومَ القيامةِ ، ومن كنتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، رجلٌ أَعْطَى بِي ثم غَدَرَ ، ورجلٌ باعَ حراً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، ورجلٌ اسْتَأْجَرَ أجيراً ، فاسْتَوْفَى منهُ ولم يُوْفِه أَجْرَهُ " [ أخرجه البخاري ] وهم الذين يفترون على الناس الكذب والذين يخربون بيوت العوائل المطمئنة فيحدثون فيها الشقاق والفتن ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم ، حتىٰ إذا أخذَه لم يُفلِتْه " ثم قرأ : { وكذلكَ أخذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ القُرَى وهي ظالمة إنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد} [ متفق عليه ] . كم من زوجة غادرت بيت زوجها ودموعها على خدها بسبب كذبة أو بسبب تجبر أهل الزوج عليها كم من طفل تيتم وأباه لم يمت بسبب طلاق أمه وابتعاده عن أبيه أو عن أمه ألا يخاف هؤلاء من دعوة المظلومين الذين ضاقت صدورهم من طغيان أشباه البشر، قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبوابَ السماء ، ويقول لها الرب : وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين " [ أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ] . فيا ويلك يامن ظلمت وتجبرت وهضمت حقوق الناس ويا حسرتك يوم تفد على مالك الملك يوم القيامة وقد فرقت شمل الأسر وأبكيت من أبكيت من لوعة الظلم والقهر . يالله كم في الليل من مظاليم يرفعون أكفهم للحكيم العليم يرجونه ويبتهلون إليه لرفع الظلم عنهم وكم سالت دموعهم أنينا ً وتأوها ً من لوعة الظلم وأهله ( إن الله عزيز ذو انتقام ) سورة ابراهيم الآية : 47 . فإلى كل من ظلم وتجبر وطغى على عباد الله تب إلى الله تعالى واطلب الصفح ممن ظلمته قبل أن يأتي يوما ً لاينفع فيه المعذرة ولا الندم وذلك يوم القيامة ، واعلم أيها الظالم المستبد أن الله حليم عليم غفور رحيم وشديد العقاب فاغتنم فرصة وجودك على الدنيا قبل أن تموت وتعرض أعمالك على مالك الملك (يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [غافر:52] . نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن ينورنا بنور التوحيد والسنة وأن يختم بالصالحات أعمالنا إنه سميع قريب مجيب . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .