تتسارع ابتكارات التقنية الحديثة بشكل مذهل في الاونة الاخيرة حتى اصبحنا لا نقدر على ملاحقة ابداعاتها التي تظهر لنا بشكل لحظي، فما ان ندرك ونستوعب تقنية معينة الا وتظهر اخرى احدث واكثر امتاعا وتطوراً، ولعل خدمات البلاك بيري الاخيرة والتي اصبحت بمتناول الصغير والكبير خير دليل على تطور تقنية المعلومات خاصة في مجال الاتصالات. في الاشهر المنصرمة ظهرت لنا ظاهرة غريبة اصابتني بالاحباط في كيفية استخدامنا للتقنية، حيث يستفيد منها الغرب في تنمية التواصل والتعليم والتثقيف، بينما نستخدم نحن التقنية في غايات اخرى تدعو للقلق، والحادثة بدأت عندما ارسل احد الاكاديميين الاصدقاء من هيئة التدريس رسالة بريدية عبر بريده الالكتروني وبواسطة جهاز "البلاك بيري" والذي يميز رسائله البريدية المرسلة عبر هذا الجهاز بان الرسالة التي يعاد توجيهها ترسل كما هي دون ان يتم تعديل معلوماتها الكاملة، ومنها مصدرها الاول الذي ارسلها ونشأت من عنده و استقبلها صديقنا على بريده. وكانت الرسالة عبارة عن شكل لتصميم تهكمي فيه اساءة الى شخصية رجل اعمال، وكنت قد تلقيت سيلا من مثل تلك الرسائل التي تصل الى بريدي من عناوين غريبة وعجيبة، وكان مصيرها سلة المحذوفات، كونها في مجملها غاية في السطحية والابتذال لما تحتويه من قذف واساءة لشخصيات اقتصادية في هذا الوطن، الا ان هذه الرسالة كانت اغرب من سابقاتها، اذ انها احتوت على اسم وعنوان مصدر الرسالة الاصلي، وكم كانت مفاجأتي اذ علمت ان المرسل هو احد ابناء العائلات التجارية العريقة (بالمنطقة الشرقية)، ومن الجيل الحالي الذي يدير مجموعة تجارية كبيرة بالمملكة (وتعاني من ازمة اقتصادية متفاقمة)، بعد ان رحل عنها جيل الانجازات والنمو والتطور، ولأن هذا الجيل الجديد من القائمين على هذه المجموعة في خلاف ونزاع قضائي مع رجل الاعمال المعني بالاساءة في البريد المرسل، قام عضو هذه العائلة (وهو عضو شرف في مجلس نادي رياضي) بتوجيه الرسائل الالكترونية الى رجال الاعمال والمختصين في البلد، تحتوي على الرسوم التهكمية والشتائم والتهم لتشويه سمعة خصمه رغم ماتربطه به من صلة قرابه. انها بحق صدمة اصبت بها، ان لم تكن فضيحة اخلاقية، ان ينحدر مستوى التعامل لشخصيات نحسبها قدوة لشبابنا من رجال الاعمال ويسهمون في مشاريع تخص الشباب وكذلك قطاع الاقتصاد، باستخدام التقنية الحديثة لما فيه اساءة للغير والتجريح والقذف والسباب، الذي من وجهة نظري ولست متخصصا في المجال الشرعي قد تصل الى وجوب تطبيق عقوبة الشرع فيمن يسلك هذه المسالك، اذ انها موثقة المصدر ولا يمكن نفيها او انكارها. شكرا لجهاز البلاك بيري الذي ينقل الرسالة كما هي، ورغم اشمئزازي وكرهي لهذا النوع من الرسائل التي تفوح منها رائحة نتانة المؤامرة والحقد، الا انها في هذه الرسالة كشفت من هو وراء ارسالها ومحاولة تخفيه وراء اسماء مستعارة، فليس هنالك جريمة كاملة، فقد سقط الجاني في زلة لم يحسب لها حساب، بفعل التقنية، التي اصابها الغيرة في ان تكون وسيلة سلبية وسيئة، فاوقعت عقابها بالمسيء وفضحته. د.معيض عايض