لا يعدو الإنسان العربي أكثر من كونه رقماً في سجلات الأحوال المدنية ، على عكس نظيره في الدول المتقدمة والتي باتت مفردة " الغربية" رديفة لمفردة متقدمة . ولعل أبرز ميزان لقيمة الإنسان العربي في أوطانه ،التي ربما باتت تعني له مجرد مساحة جغرافية وُلد عليها ومحاطة بما يسمى مجازاً دولاً شقيقة ، هو الكوارث الطبيعية ، أو حوادث نتيجة تقصير رسمي أو غش وفساد . لو تخيل المرء أنّ عمال مناجم عرباً حوصروا في غيابة الأرض وغياهب سراديبها الموغلة مئات الأمتار في تربتها وصخورها التي لا ترحم إنْ غضبتْ ، فمن المشكوك فيه أنْ يتخيل العربي المشهد التشيلي ، الذي شاهده الملايين مباشرة كما لو كانوا يتابعون فيلماُ سينمائياً جمعت حبكته بين الرعب والرومانسية ، هو ذاته المشهد في موطنه العربي العروبي . إنْ كان مسرح المأساة التشيلية في شبة صحراء أتاكاما قرب مدينة كوبيابو ، حيث لبث ثلاثة وثلاثون عاملاً سبعين يوماً إلا يوماً ، فإن مسرح مآسي العرب كل أصقاعهم . فلا يخلو صقع من مأساة تتشابه مع الأخرى في تراجيديتها ،وإن أختلفتا في شكل الحدث . لو حل بالعرب ما حل في تشيلي ،لا سمح الله ولا قدّر ، لاكتفى المسؤولون ،على الأغلب، بالقول هكذا شاء الله لهم وقدّر ، فلا راد لقضائه وإنّ مصيرهم الجنة إنْ شاء الله . ثم ماذا بعد ؟ . سيكونون خبراً في الإعلام العربي بفضائه وأثيره وصحائفه وعنكبوتيته ، لأنهم مجرد أرقام لهم منازلهم عند الإحصاء والتعداد السكاني الرسمي فقط . لقد مس العربَ الكثيرُ من كوارث غضب الطبيعة التي بالمقدور التخفيف من حدة عواقبها لولا الغش في تنفيذ المِجنّ القادر على مواجهتها ، هذا إنْ وُجد المجنّ أصلاً، وما انفكت تحل بهم كوارث تتبرأ منها الطبيعة ، مثل البنيان غير المرصوص ، في بعض المدن العربية ، كما لو كان مثل وهن بيت العنكبوت ، وشوارع " مُسَلْفتة " بالشكل لا تراعي "غلاوة" روح الإنسان العربي ، ووسائل نقل مهترئة منها ما يطير ، ومنها ما يسير ، ومنها الفُلْك المشحون . وحين وقوع الكارثة ، يتنبه المسؤولون ، أو ينبههم أحد ، إلى أن السبب وراء ما حدث هو عدم الألتزام بمعايير السلامة ، لكن بعد أن وقعت الفأس في الرأس . ثم تتكرر الحادثة نفسها ، ويصدر تقرير التحقيق نفسه في كل كارثة كما لو كان نسخة من نُسَخ تم الاحتفاظ بها منذ كوارث تعود إلى عقود ، فلا وزير استقال ، ولا مسؤول أقيل . تلكم هي قيمة الأنسان العربي في وطنه العربي ، هو مجرد مولود في انتظار الأجل ْ الذي لا يؤجّل ،إما لعدم قدرته على تسديد كلفة علاج المّ به فهدّه على مدى سنوات إنْ لم يجدْ فاعل خير يتكفل به ، وإما بسكتة قلبية ناجمة عن مرارة حاله وقلة ماله ، أو بفعل سقوط مبنى يأويه نتيجة هزة أرضية خفيفة هي بمثابة الوخزة الأرضية لدى الغرب ، وإما نتيجة غرق مركب مهترىء لم يعد قادراً على شق عباب البحر بركابه المفترَضين ،أصلاً، فكيف بمن زادوا عليهم طمعاً من صاحبه في زيادة المال.