بسم الله الرحمن الرحيم اعتزاز بدوي بعدما مضى على حبنا أعواما طوال ، وبعدما امتصت رحيقي ، وأخذت مني كل ما أملك من إخلاص ووفاء وحب ؛ كلمتني بصوت باهت تقول : الذي ليس كفؤا للحب حرام علي أن أتكلم معه . قلت : من تقصدين ؟ ومن ذاك الذي ليس كفؤا للحب ؟ قالت : أنت . قلت بدهشة واستغراب : أنا؟! لماذا ؟! ماذا بدر مني حتى تحكمي علي بهذا الحكم الجائر ؟! قالت بإصرار وغرور : نعم أنت لأنك بدوي لم تواكب التطور . "بدوي" دوى رنينها بأذني عميقا فأحسست بنشوة تغشى جسمي وترفع هامتي عاليا لأحمد ربي أنها لم تجد عيبا تعيرني به سوى هذا العيب الجميل . "بدوي" ذاك الاسم المحبب إلى نفسي ، والعزيز جدا على نفس كل من يعتز بأصله ووطنه ذاك الاسم المفخرة أصبح وصمة عار على جبين حبيبها فأرادت التخلص من هذا العار وصاحبه ، وكأنها نست ، أو تناست ماذا تعني كلمة بدوي ، ولماذا أنا أفتخر بها ؟. أفتخر بها لأنها تعني أصلي ، وعزتي ، ومجدي ، وإبائي ، وشموخي ، فلن أنسى ولن أنكر جميل تلك الصحراء التي أدفتني رمالها شتاءا ، وظللتني أشجار الغضا فيها صيفا . لن أنساها وقد علمتني الوفاء والصبر ، والجلادة ، والعزة ، والإباء ، لن أنساها وقد صنعتني رجلا كما صنعت آبائي ، وأجدادي من قبلي رجالا يشهد لهم التاريخ ، وقد التصقت بهم صفة البداوة ، فلم تزدهم إلا عزا ومجدا . كأنها نست ، أو, تناست أن سيد البشرية ، وصفوة الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد رعى الغنم في البادية ، وهل نست أن الأعراب البدو تغلبوا على أكاسرة الفرس ، وقياصرة الروم ، وكونوا دولة إسلامية من المشرق إلى المغرب ذاع مجدها وصيتها حتى شملت أرجاء الكرة الأرضية . هل نست أن جدتي ، وجدتها ، وأمي ، وأمها كن بدويات يتعطرن بريح النفل والخزامى ، ولم يعرفن العطور الباريسية ، ولا التنانير الضيقة ، ومع ذلك كن ملكات جمال كونهن ، وملهمات الشعراء شعرهم. وبعد كل هذا أما يحق لي أن أفتخر ، وأعتز بأنني بدوي لم يواكب التطور ؟ ثم أخبريني لماذا لم أواكب التطور من وجهة نظرك ؟ فإن كانت مواكبة التطور بنظرك أن أحلق شاربي ، وأسرح شعري على أحدث التسريحات الغربية ، وألبس "الجينز" ، وأعلق قلادة في رقبتي ، وألبس خاتم ذهب في يدي ، وأتمايل في مشيتي ؛ إن كانت كذلك مواكبة التطور فأنا أرفضها .. أرفضها بقوة . فأنا بدوي أعتز بأصلي وعروبتي ، وأفتخر بشعاري ، ولن أترك رياح الغرب تؤثر علي ، سألبس الثوب والشماغ ، وأتوج رأسي بالعقال ، وأستعمل السواك ،وأوقد النار ، وأتنزه بالصحراء ، وأكون خشنا أتسلق الجبل حافيا. أما أنت ورفيقاتك فياللأسف ، فقد اجتاحتك رياح التقدم الغربية الزائفة ، فتأثرت بها ، وأصبحت تتعطرين بالعطور الفرنسية ، وتقصين شعرك ، وتلبسين الملابس الغربية ، وتضعين مساحيق التجميل على وجهك لتخفين تجاعيده وعيوبه ، وفعلا تقوى المساحيق على ذلك ، ولكنها لا تستطيع أن تخفي تجاعيد وضعف شخصيتك ، ولن تعدل ميلها ، فشخصيتك ضعيفة ناقصة لأنك لم تستطيعي صنع شخصية مستقلة بك ، فأنت غربية بملابسك ومظهرك ، عربية بأصلك ولسانك ، إسلامية بدينك ، ضعيفة بشخصيتك نتيجة لتصارع القوى النفسية بداخلك، فلم تستقلي بعد. فاذهبي يا متحضرة .. تسلقي برج إيفل ، وتنزهي على شواطىء الريفيرا ، واستمعي إلى نهيق مايكل ، ونعيق مادونا ، وتجولي في دور الأزياء ومعارضها ، ولا تعودي حتى تحددي لك أصل وجنسية ، وشخصية مستقلة . ودعيني أتسلق جبلي أجا وسلمى ، وأتنزه بين غضا النفود ، ورمث الحماد ، وأشنف أذني بربابة مشعان , ومهلي ، وطلق ، وأترنم مع صوت أوتار حجاب ، وسلامة ، والصريخ ، والطيار ، وأسهر بين "شبات" طريف ، وحائل ، ورفحاء ، والجوف ، وأتجول بين مدن وقرى بلادي لأمتع نظري بالتأمل في تراث أجدادي .