القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراق أبا خالد لمحزونون.. رحم الله سلطان الخير وسلطان البشاشة والسماحة والتواضع.. سلطان العطاء والبذل والجود والإنفاق كان رمزاً من رموز الأمة وعلم من أعلامها في شتى المجالات.. فسيرته العطرة لا يمكن حصرها في مقال أو حتى مجلدات.. فما قدمه لوطنه وأبناء شعبه وأبناء أمتيه العربية والإسلامية سيظل مسطراً في جبين الزمن والتاريخ.. لم يكن الفقيد رجل خير وعطاء فقط.. بل كان مدينة كاملة من العطاء والبر والإحسان كان باذلا معطاء سخيا.. كم كفكف من دمعة يتيم وجبر كسر أرملة وأعان محتاج وأغاث ملهوف وبلسما خفف آلام المرضى.. ولي مع الأمير سلطان رحمه الله ذكريات جميلة عندما كنت رئيسا لبلدية الخرج.. إلا أن ذاكرتي بحكم الزمن لم تحتفظ بكل دقائقها.. ولكن أتذكر منذ حوالي 35 عام عندما شاركت أنا والزملاء الأستاذ حمد بن عبدالله بن صغير رئيس بلدية الأحساء والأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز البسام رئيس بلدية عنيزة في مؤتمر منظمة المدن العربية.. وسافرنا إلى جنيف وكان الأمير سلطان رحمه الله هناك.. وذهبنا للسلام عليه فرحب بنا.. وصار يقص علينا قصصا من وقت الملك عبدالعزيز.. ويقول عندما كنت أميراً لمنطقة الرياض.. وجه الملك عبدالعزيز دعوة للملك عبدالله ملك الأردن وأعد له حفل استقبال ومن ضمنه مهرجان على ظهور الخيل ويشارك الأمراء فيه.. وكانت فرسي معقورة.. فطلبت من الملك سعود رحمه الله وكان وقتها وليا للعهد فرسا من (الحمدانيات) بالخرج وأعطاني (أمرا) ل (بشير العبدالعزيز) وكان مسؤولا عن الخيل بالخرج.. فلما ذهبت به رفض بشير وقال الملك عبدالعزيز أمرني بالمحافظة على (الحمدانيات) فرجعت لولي العهد وأخبرته.. فأرسل اثنين من الأشخاص وقال عليه أن يعطيه الفرس.. وتحت الضغط سلمني إياها.. وهذا يكشف أن الأمير لم يستغل سلطته كأمير لمنطقة الرياض.. وعندما استعرضنا على الخيل استعداداً للمهرجان.. شاهدني الملك عبدالعزيز ممتطيا الفرس الحمدانية.. فسأل عن ذلك.. فأخبرته بالقصة.. فقال: إذا انتهى الاستعراض أمام الضيف تعيدها فوراً إلى الإسطبل بالخرج.. فقلت للأمير سلطان.. إن بشير متفانٍ في المحافظة على (الحمدانيات).. فقد حدث أن جاءه ضيف فأخذه في جولة على الخيل.. ولمح بشير أن الضيف يسد أنفه بيده.. فلطمه بشير على وجهه وقال (تلم خشمك عن ريح الحمدانيات) فضحك سمو الأمير رحمه الله وقال بأن (بشير مخلص ومحب للخيل).. وعندما أردنا المغادرة أصر الأمير سلطان رحمه الله بكرمه المعهود أن نتناول الغداء معه.. كان سلطان الخير سحابة كرم وجود ترسل غيثها في كل أرض وتروي كل نفس وتواسي كل روح وتضمد كل جرح.. تهب رياحها قبل أن يصلها طلب العون والمساعدة.. لم يثنه عن ذلك المهام الجسام التي تولاها في هذه الدولة السعودية المباركة طوال 65 عاماً.. بدء من إمارة الرياض حتى وزارة الدفاع وولاية العهد حيث كان الساعد الأيمن والأمين لأخيه خادم الحرمين الشريفين.. وما توافد العشرات من زعماء ورؤساء وقادة العالم إلى الرياض للمشاركة بالصلاة على الفقيد وتقديم التعازي إلا تعبيراً صادقاً عن المكانة العالمية لهذا الرجل الفذ.. اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. اللهم وسع له في قبره واجعله روضة من رياض الجنة اللهم وألحقه بالصالحين واجعل داره في عليين يا رب العالمين ..