أظهرت دراسة شملت مختلف دول أوروبا، أن مقارنة المرء لدخله مع زملائه، أصدقائه، وأفراد عائلته هي الوصفة المثالية للتعاسة. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن الباحثين حللوا بيانات من مسح شمل أوروبا، ووجدوا أن ثلاثة أرباع المستطلعين، يعتقدون أنه من المهم مقارنة دخلهم مع الآخرين. وتبين لاحقاً أن من عمدوا إلى المقارنة بدوا أقل رضا، خصوصاً إذا تركزت مقارنتهم على الأصدقاء وأفراد العائلة وليس زملاء العمل، ووجدت الدراسة أن الفقراء هم الأكثر تأثراً من مقارنة الدخل، ولم يسجل أي فارق بين الرجال والنساء في هذا المجال، لكن تبين أن الناس في الدول الفقيرة يقارنون مداخيلهم أكثر من الذين في دول أكثر غنى). ما تم الوصول إليه من هذه الدراسة يتم تداوله في أغلب المجتمعات حتى وإن كانت الفقيرة أكثر مقارنة، والسبب أن البشر بطبعهم ميالون إلى المقارنة ليس في الدخل فقط، ولكن في المسكن، والملبس، وطرق المعيشة، وحتى الذكاء والغباء وتداول الصفات. وحقيقة الإنسان تتجه دائماً إلى البحث عن التوتر في أضيق الخانات، والوصول إلى خلخلة الاستقرار الذاتي، وتحريك الساكن ليكون مع التعاسة حتى وإن تألم، لا يعنيه إن كان ما يتجه إليه قد يدفع به إلى الخيبة، وطرقات النكد، ولا يفكر إطلاقاً في أن يبحث عن توازنه وأروع ما لديه خاصة إذا تداخل مع مفردات المقارنة مع الآخر! طبيعة الإنسان دون تعمد قد تدفعه إلى مقارنة دخله بأخيه، أو حتى صديقه المقرب، رغم اختلاف ظروف كل منهما المالية، والأسرية، قد يصل إلى حقيقة يشعر أنها مريرة وموجعة لصديقه أو قريبه، خاصة إن كان دخل كل منهما أعلى وامتيازات وظيفته أفضل، أو نجاحاته في عمله الخاص أكثر تفوقاً، حقيقة تجعله يفتح الأبواب المغلقة منذ زمن ويتساءل لماذا هو أفضل رغم أنني على الأقل لست أسوأ منه؟ أو أقل في الذكاء؟ لماذا دخله أفضل رغم أنني كنت أكثر تفوقاً ونجاحاً منه؟ لماذا تصر الحياة أن تبذر بذرة مثيرة للألم والحسرة؟ تزداد اسئلته، ويتبع ذهوله كلما عبر إلى مناطق شائكة في تفاصيل هذا الدخل الذي يدفعه إلى أن يفقد حسه بالأشياء أحياناً. ما يزيد الأمر مرارة أن البعض قد يذر الملح على الجراح فيسألك أحدهم ألم تكن أفضل منه دراسياً؟ ألم تكن أذكى؟ كل ما كان ينبئ بأنك ستتفوق عليه ذات يوم؟ يطرح أسئلته ويغادر، وهو يثق تماماً انه قد أشعل النيران وعليك أن تطفئها وحدك، ولكن بعد أن يصيبك كثير من شظاياها. مثله كثيرون يتعمدون إشعال النيران ثم يغادرون والكارثة أن من أشعلوا فيه يظل مستسلماً لهم، ومكتوياً بالنار التي قد يحمل بعضها إلى ذلك الشخص الذي لا ذنب له سوى أنه أكثر تميزاً أو أكثر دخلاً. تشعر أن ثمة ظلما مريعا، وواضحا، وأن الحياة كعادتها أصرت أن تتدثر أنت فقط بلباس قسوتها، أصرت أن تظل مطموراً داخل دائرة هذه التعاسة، ولم تفكر على الاطلاق كيف لك أن تغيّر ما أنت فيه؟ تبحث عن مخارج؟ تحاول تحسين دخلك؟ تتفوق إذا كنت تمتلك المسببات للتفوق. وأنت تندفع نحو هذا التفكير الايجابي تجد من يهتف لك بقوة بأنه عليك أن ترضى بما قسمه رب العالمين لك، وأن الأرزاق يقسمها الله سبحانه وتعالى وهذا هو ما كُتب لك أن تكون الأقل، لا تتقدم.. لا تحاول.. لا تكثر من التفكير فهناك مثل عربي شهير يقول: (لو تجري جري الوحوش.. غير رزقك ما تحوش). يرضيك المثل ولكنه لا يزيل تعاستك، ولا يمنحك الرغبة في المحاولة من أجل البحث.. لأنك مقتنع بأن بحارهم قد فاضت، وأن اليابسة التي تقف عليها لن تتفجر أنهاراً. ستظل متألماً بين آن وآخر، وستشعر أن الدنيا تنهار في لحظة لكن لا تملك أمامها سوى الاستسلام!