تغنى بها حسان في الجاهلية فقال: لله در عصابة نادمتهم *** يومًا بجلق في الزمان الأول وتعاطف أمير الشعراء معها عند نكبتها فقال: سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشق وكان نزار بارًّا بها كثيرًا فأضحت نابتة في أكثر شعره: فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا *** فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟ أنت النساء جميعًا ما من امرأة *** أحببت بعدك إلاّ خلتها كذبًا هي حاضرة الإسلام زمن بني أمية، وظئره في كل عهد وقرن، في كنفها عاش أئمة الإسلام، وعلماء الأمة، وأبدال الشام، وصدق شوقي (وعز الشرق أوله دمشق). من الطبقة المتعلّمة المتوسطة في ربوعها انحدر ميشيل عفلق، وصلاح بيطار، درسا في (السوربون في باريس)، ثم عادا عام 1933م يبشران بأفكارهما في وسط الطلاب والشباب، أصبحت هذه المناداة تجمعًا، ثم أصبحت حركة سياسية في بداية الأربعينيات الميلادية، حتى كان تأسيس حزب البعث في دمشق بتاريخ 7 نيسان / ابريل 1974م تحت شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. وفي 23 شباط عام 1966م نفذ عدد من الضباط الحزبيين انقلابًا على الحزب والدولة، تبنى الحزب المنهج الاشتراكي وبذلك تبنى لزامًا تنظيم وطريقة الأحزاب الشيوعية، وهي أشبه بالتنظيمات الاستخباراتية منها إلى التنظيمات السياسية. عصف بالشرق رياح عاتية، حاول قادة الحزب التكيف معها، حتى آل الأمر إلى ما سمّي بخيار المقاومة والممانعة. تحالف حكام سوريا مع إيران، وحزب الله، وآووا المكتب السياسي لحركة حماس، فاجتمعت ألوية ثلاثة بينها من التباعد ما بين المشرق والمغرب، حزب علماني اشتراكي لا يقيم للدِّين وزنًا ولا يرفع به رأسًا، ودولة عقدية تتبنى خيارًا دينيًّا محضًّا وترفع شعار (ولاية الفقيه) وحركة يدّعي أصحابها أنهم خلفاء عمر في أمته، وهم يتحالفون مع قتلته، ويؤوون إلى ديار يتبرأ حكامها من عمر وسيرته (بئس للظالمين بدلاً) لكن قالت العرب من قبل (إن المصائب يجمعن المصابينا). شمت الثلاثة بعزيز مصر، وتنادوا مصبحين: (انتصرت ثورة الشعب المبين) وباتوا على الأحلام يمنون أنفسهم بمجد تليد، دارة عجلة الثورة وأسرع قطارها ذهبت من قبل بدهقان تونس، فتنحى عزيز مصر، وازداد مجنون ليبيا خبالاً، واضطربت آليات حكام اليمن، وأخرج له السعوديون يدًا بيضاء، فردّ التحية بمثلها، ومضى في سلام. داهم القطار دمشق وما حولها، لم تتوقاه درعًا بل رحبت به، وشكت إليه حالاً عظم بؤسها، واشتد كربهًا، وتمسكت به محافظات عدة جعلت من دمائها وقودًا له، فأنى له أن يتوقف؟ أدرك ساسة حزب البعث أن هذا (يوم البعث) فلم يقلب في دفاتره القديمة لعلمه بأنها كالحة، لكنهم حاولوا أن يكتبوا صحفًا جديدة، فدوّنوا قرارات وأصدروا مراسيم لكن دون جدوى، فمن لم يرفع بالدِّين رأسًا يمشيه الله منكبًا على وجهه. أسرف حماة الحزب في سفك الدماء، وتلك عادة مذمومة حمل لواءها فرعون من قبل، لكن فرعون كان شجاعًا مع فساد معتقده، وخبث طويته فهو يقول جهارًا (لأقطّعن أيديكم وأرجلكم من خلاف)، لكن ساسة حزب البعث وإعلامهم يقتلون في الظلام، ويتّهمون غيرهم في النهار، ويتسمون بالأسد، ولا خصلة تراها أعظم سفالاً، وأسوأ حالاً من الغدر والخيانة. إن لله سننًا لا تتبدل ولا تتغير، فما كان الله ليمهل حكامًا أربعين عامًا، ويملّكهم نواصي الخلق في أرض مباركة، ثم يصدون عن دينه، ويقتلون أولياءه، ويرجون بعد ذلك منه نصرًا أو عونًا (هيهات هيهات لما يؤملون). أمّا الصفويون الفرس فقد حاولوا وما زالوا أن ينفعوا حليفهم بشيء لكن أين المفر والإله الطالب؟ وبقي رجال حركة حماس (صامتين)، ولن يبرأ جرحٌ رمّ على فساد، هكذا قال الحكماء، ونعم ما قالوا. لقد كان ذلك الأعرابي أحكم طريقة من قادة حماس، إذ بنى أبرهة (القليس)، وشيّدها، وأمر العرب بأن يحجوا إليها، فدنّس الأعرابي بناء أبرهة، إذ عرف بداهة وفطرة وهو لا يرجو جنة ولا يخشى نارًا سفاهة ما بناه أبرهة، وابتنى آيات طهران بناء يحاكي الكعبة على قبر إمامهم (الخميني)، وجعلوا له صحنًا ومقامًا، لكن قادة حماس غاب عنهم صفاء ذهن الأعرابي، فقدموا على ضريح الخميني يعظمونه، رجاء أن يجدوا عندهم نصرة يعيدون بها سيرة عمر وصلاح الدين، وهل يبغض هؤلاء المعممون أحدًا أعظم من عمر وصلاح الدين حتى ينصروكم لتعيدوا سيرتهم!! إن من أعظم المصائب أن يصدق على أحد قول الله (وأضله الله على علم). وما زالت الأيام حبلى، ولا يدرى أي هؤلاء أول مصرعًا وأسبق هلاكًا، وإن كان الكل أقل ناصرًا، وأضعف جندًا. ونحن على يقين أن رجال حماس أجلّ مكانة، وأصدق إيمانًا، وأكثر تضحية، وأعظم إخلاصًا، لا يقارنون بهاتين الطائفتين الضالتين أبدًا، لكن وإن كنا نرجو لهم الخلاص والتوفيق لنقول كان حقًّا عليهم من قبل أن يجعلوا نصب أعينهم قول حافظ: سقى الله في بطن الجزيرة أعظمًا *** يعز عليها أن تلين قناتي