قام الشاعر جبران بن سلمان سحاري العبدلي مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي في الرياض بزيارة توثيقية خاصة لمحافظة بدر التاريخية، التي وقعت على أرضها غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة النبوية، وانتصر فيها جند الله على كفار قريش ونصر الله رسوله والمؤمنين على القوم المشركين. وخط في تلك الزيارة ملحمة كبرى تقع في (300) بيت خلد فيها أمجاد المسلمين العظمى، التي تجلت في وقائع هذه الغزوة ونزول الملائكة من السماء تقاتل مع المؤمنين في أرض المعركة. ثم اختصر هذه الملحمة إلى قرابة (50) بيتاً. وكانت مدة الزيارة ساعتين ونصف الساعة من بعد صلاة الظهر إلى أذان العصر، وقد كان في استقباله هناك أعضاء في هيئة الأمر بالمعروف، وبعض المسؤولين في البلدية في المحافظة، وبعض المتخصصين في التاريخ والحضارة وبعض رجال الأمن للتجول العلمي والتوثيق التاريخي والتطواف في آفاق المشهد الذي سوف يرسمه في ملحمته التي احتفل بها. وقد أكثر الشاعر من مخاطبة بدر ومناداتها، وكأنها تستمع إليه وتجيبه وهو ينتظر الجواب عن كثير من التساؤلات، ومن أجواء هذه الملحمة الحماسية: ملحمة بدر الكبرى: يا (بدرُ) جئتُكِ سائراً بتجشمي *** وعلى ثراكِ نويتُ أسكبُ من دمي الله أكبرُ أنتِ يا (بدرُ) العلا *** أنتِ (الشهادةُ) في المقام الأعظمِ يا (بدرُ) جئتُكِ والعيونُ سخيّةٌ *** بالدمع، والأجفانُ لم تتبرّمِ يا (بدرُ) قلبي قد أسرتِ وشاقني *** ما فيكِ من تاريخِ خيرِ مُعلِّمِ يا (بدرُ) جئتُكِ والقلوبُ استسلمت *** لبهارجِ الدنيا، ولم أستسلمِ لكنني لما رأيتُكِ أعنقت *** شرفاتُ قلبي نحو تُربكِ فاسلمي يا (بدرُ) لا الأشعارُ تُنزلكِ المقا *** مَ المستحقَّ، ولا علاكِ بمُلزَمِ * هذه المقدمة التي صدر بها الملحمة، وهو يستمر في مخاطبة بدر مبيناً ما وقع فيها من إنجازات المعركة الكبرى قائلاً: يا (بدرُ) أنتِ (الحقُّ) فوقكِ أنفسٌ *** صعِدتْ لباريها بنصرٍ مُحْكَمِ فهذا البيت وصفٌ للشهداء في المعركة. يا (بدرُ) فوقك قد تردّى باطلٌ *** وسْطَ (القليبِ) بُعيدَ شربِ العلقمِ وهذا البيت وصفٌ لمصارع عتاة المشركين الذين رُموا في قليب بدر بعد المعركة. الله أكبرُ أنتِ يا (بدرُ) الوفا *** أنجزتِ موعدنا بحكم الأحكمِ وهذا البيت إشارة إلى إنجاز الله ما وعد به عباده المؤمنين من النصر في تلك الغزوة. الله أكبرُ كم (غنائمَ) حزتِها *** بل أنتِ أنتِ المرتقى للمغنمِ وهنا يتعرض للغنائم التي حصل عليها المسلمون. * ثم يصف حال المشركين وصفاً تجسيدياً لا يخلو من تهكم قائلاً: ذهبت ذيولُ المشركين كطائرٍ *** في النار يرجفُ بعدَ طولِ تألمِ الله أكبرُ و(العريشُ) مذهّبٌ *** أضحى (المصلَّى) كم نرى من مَعْلمِ!
مسجد العريش يخبر هنا أن العريش الذي بُني للنبي صلى الله عليه وسلم أصبح مسجداً؛ حيث بُني في مكان ذلك العريش مسجدٌ أشار إليه بقوله: (أضحى المصلى). الله أكبرُ عدة (الشهداءِ) في *** صحفٍ مطهَّرةٍ لديكِ تبسّمي وفي هذا البيت يذكر أن أسماء شهداء بدر وهم (14) شهيداً مكتوبة في صحيفة في محافظة بدر (هنا بخط اليد):
ويواصل: الله أكبرُ آه يا (بدرُ) اقبلي *** هذي الخواطرَ يا مقرَّ الأنجمِ يا (بدرُ) كم خطت يمينُكِ عزةً *** للمجدِ والإسلامِ والرأي الكمي يا (بدرُ) عشتِ سعيدةً مغمورةً *** بالفضلِ، فيك مآثرٌ لم تُهضَمِ يا (بدرُ) يا بدرَ الدجى يا مقلةً *** نظرتْ إلينا بالبيانِ المفحمِ يا (بدرُ) كم خرّجتِ شهماً مُلهماً *** في رأيه ففديتُه من مُلهَمِ يا (بدرُ) أنتِ منارةٌ لحضارةٍ *** شمّاءَ تنجبُ كلَّ فذٍّ ضيغمِ وفي الأبيات التالية يعود على ذكر أسماء الشهداء واحداً تلو الآخر فيقول:
أسماء شهداء بدر (14) شهيداً (مطبوعة) على لوح بخط لا يُمحى.
يا (بدرُ) والشهداءُ في شفتيكِ لم *** تُهجَرْ فضائلهم ولم تتصرّمِ خُطُّوا بماءِ الصدقِ في طرقاتِهم *** ف(عميرُ) أولهم، سليلُ الضُّرّمِ (صفوانُ) صيقلهم، وهذا (ذو الشما *** لين) انبرى بجهاده المستحكمِ ورأيتُ (مهجعَ) حين أنظرُ (عاقلاً) *** ك(عبيدةَ بن الحارث) المتقدِّمِ (سعدُ بنُ خيثمةٍ) وثَمّ (مبشِّرٌ) *** بإزاء (حارثةَ) الشجاعِ المُسلمِ لا تنسَ (رافعاً المعلاّ) إذ علا *** بالدين مثلَ (ابن الحُمام) المُكْرَمِ و(يزيدُ) ثم (معوّذٌ) وأخوهما *** (عوفٌ) حُظوا بشهادةٍ وترحُّمِ يا (بدرُ) رضوانُ الإلهِ عليهمُ *** خلَّدتِهم للدهر دون تأزُّمِ * ولا ينسى زيارة قبور شهداء بدر للسلام عليهم والدعاء لهم فيقول: يا (بدرُ) والشهداءُ فيكِ، قبورهم *** محفوظةٌ، كم زائرٍ ومُسلِّمِ
مقبرة شهداء بدر.
يا (بدرُ) أنتِ والانتصارُ رضعتما *** ثديَ المعالي، وهي: ما لم تفطِمِ يا (بدرُ) قد نصر الإلهُ رسوله *** والصحبَ فيكِ بطرحِ ذلٍّ أبكمِ فيكِ اختصرنا سردَ تاريخ العلا *** فلأنتِ أنتِ وأنتِ شوقُ المغرمِ يا (بدرُ) ما لي عن سماكِ تئيّةٌ *** أسرجتُ راحلتي بعزمٍ مفعمِ لو قيل: يا (بدرٌ) منالُك والتَّوى *** أخوان، قلتُ: رضيتُ لم أتلعثمِ يا (بدرُ) جئتُكِ والأصابعُ تبتغي *** لمسَ الحصى في ساحكِ المترنمِ يا (بدرُ) جئتُكِ والضلوعُ تصدّعت *** تبغي حِواكِ وعيشَ أهل تنعُّمِ يا (بدرُ) ما لي منكِ بدٌّ بعدما *** صرتِ (المنارَ) لكلِّ مجدٍ مُقدِمِ يا (بدرُ) معناكِ المخبّأُ: عزةٌ *** بل رفعةٌ ومكانةٌ لم تُهزمِ يا (بدرُ) كيف وكيف ننسى سؤدداً *** في حضنكِ الدافي وعزمَ الأعلمِ
التقاط لجوانب من أرض المعركة. * ويتناول حي الصفراء في بدر قائلاً:
يا (بدرُ) و(الصفراءُ) فيكِ نقيّةٌ *** لمعانها يبري عتوَّ المجرمِ * ويرجح أن مكان البئر الذي شرب منه المسلمون -وإن لم يظهر- يقع خلف العريش وإن محاه الدهر لطول العهد به فيقول: يا (بدرُ) فيكِ (البئرُ) حولَ (عريشنا) *** إن يمحُهُ الدهرُ المخضرمُ يُعلَمِ يا (بدرُ) أسبابُ انتصاركِ تحتفي *** بخواطري فتخطُّ أجملَ معصمِ * ويتعرض للموضع الذي التقى فيه الجمعان وهو (حي الصدمتين) الآن فيقول: يا (بدرُ) حيُّ (الصدمتين) منوَّرٌ *** في صدركِ الأسمى لطعنِ المُظلِمِ * ثم يتمنى من المسؤولين تطوير هذه المحافظة التاريخية أكثر فيقترح أن تكون محافظة من فئة (أ) وليست من فئة (ب) فيقول: (بدرٌ) محافظةٌ و(باءٌ) رمزها *** يا ليته (ألفٌ) لبدءِ المعجمِ يا خادمَ الحرمين ذي فئةٌ سمتْ *** فاجعل لها (ألفاً) لإلفِ المأزمِ * ثم يطلب من خادم الحرمين -حفظه الله- إنشاء جامعة في بدر لتكون رمزاً للعلم والتاريخ لأن محافظة بدر أصبحت كالمدينةالمنورة في التوسع فيقول: يا خادمَ الحرمين (بدرٌ) أصبحت *** شِبْهَ (المدينةِ) في طريق تقدُّمِ كثرتْ ركائبُها وأقبل جمعُها *** للعلم، فاستكمل طريق تعلُّمِ وأْمُرْ ب(جامعةٍ) ل(بدرٍ) تحتوي *** أبناءها في همةٍ وتفهُّمِ يا خادمَ الحرمين جودُكَ شاملٌ *** مدنَ البلادِ، وما ل(بدرٍ) من سمي فاجبر نقائصَها ف(بدرٌ) أمةٌ *** عظمى، ورمزٌ لانتصارٍ مُبرمِ وإذا أقمتَ بأرضِ (بدرٍ) معلَماً *** سيظلُّ معلَمَ رائدٍ في معلَمِ ومع بعض الصور التوثيقية الأخرى:
خريطة لموقعة بدر من قبل أحد المختصين.
هذا الدوار مدخل لأرض بدر.
صورة من بُعد تبين موقع العدوة الدنيا والعدوة القصوى وكان الركب في الوسط أسفل العدوة الدنيا كما في الآية الكريمة.