دفائن العالم العربي أصبحت مخترقة من المحيط إلى الخليج؛ فكل التغريدات التي كتبها أكثر من مليون عربي في موقع "تويتر" الشهير، بدأ طرحها هي وغيرها منذ أمس للبيع لمَن يرغب، وتحظى باهتمامٍ واسعٍ من أجهزة المخابرات التي تجد أن ما ستدفعه شهرياً لمعرفة أفكار وميول وأسرار مواطنيها هو أقل من راتب أسبوع يتقاضاه منها "جاسوس غير محترف." وبدأ البيع بموجب اتفاق عقده "تويتر" مع شركة "داتاسيفت" البريطانية - طبقا ل "بوابة الأهرام المصرية" - التي تحولت بموجبه إلى وكيل لبيع أرشيف جامع لكل تغريدات المشتركين في "تويتر" بالعالم، وعددهم يزيد على 300 مليون "لمَن يرغب في شرائها" بحسبما قال موقع Mashable الشهير بمتابعته أخبار شبكات التواصل الاجتماعي، والذي كان أول المتطرقين للاتفاق ليل الإثنين الماضي وتعني عبارة "كل تغريدات المشتركين" الواردة بالاتفاق ما كتبه المشترك منذ يناير 2010 حتى نظيره هذا العام، أي طوال عامين قام المغرد خلالهما بكتابة عشرات آلاف العبارات وأرسل صوراً وروابط إلى مغردين آخرين، علما أن عدد التغريدات اليومية في "تويتر" يزيد على مليارين، بينها مليونان و200 ألف بالعربية على الأقل، وحوالي 50 ألفا لعرب يغردون بلغات أجنبية، وكلها سيتم تقديمها على طبق من فضة للمخابرات. ومن حيث خصائص "تويتر" مع مشتركيه، فإن الموقع يمحو كل تغريدة بعد أسبوع من تدوينها، لكنها تبقى بأرشيفه كوديعة تستمر فيه دائماً، حتى ولو قام المشترك بمحوها من سجل تدويناته، لأن لوحة بيانات المشترك في صفحته على الموقع منفصلة عن ذاكرة حفظ الموقع نفسه، لذلك قام في 2010 بعقد صفقة مع "مكتبة الكونغرس" لتزويدها يومياً بما صب ويصب فيه من تغريدات منذ تأسيسه في 2006 وبلا توقف حتى إشعار آخر. وغاية الشركات من شراء التغريدات وأرشيفاتها القديمة هي التوصل لمعرفة الميول الاستهلاكية والشرائية للمشتركين، وهم بالنسبة إليها مجتمع مصغر عن الكبير الذي يعيشون فيه، وكله لقاء 1000 دولار شهرياً تدفع منها "داتاسيفت" حصة ل "تويتر" الذي لا يمانع بما هو أخطر. والأخطر هو أن الاتفاق يسمح ببيع التغريدات لمَن يرغب في شرائها من دون أي انتقاءٍ وتمييزٍ، وهذا يعني أن ميول وأفكار واتجاهات العالم العربي كله، وكذلك غيره، يمكن أن تصبح بحوزة مخابرات كل بلد عربي وأيضا نظيرتها في أي بلد آخر، وهو اختراق يومي للمنطقة العربية بأسرها، وبثمن يقل عن قيمة اشتراك شهري في نادٍ اجتماعي. وقالت "داتاسيفت" في بيانٍ غير تفصيلي لها، أمس، عن بنود الاتفاق الذي تطرقت إليه وسائل الإعلام، اليوم الأربعاء، ونقله موقع "العربية نت"، إنها ستنشئ للمشتركين رابطاً يدخلون عبره إلى ما سمّته Datasift Historics وهو مخزن لأرشيف التغريدات التي ستحصل عليها من "تويتر" مزود بفلتر بحث سريع الفرز حسب الطلب. ويسمح الفرز لأي كان بمعرفة ما كتبه السعوديون مثلا، وهم 35 % من مشتركي "تويتر" العرب، فيتم اكتشاف ميولهم السياحية أو آرائهم السياسية، واتجاهاتهم الاستهلاكية في دقائق قليلة، وبحسب الاطلاع عليها يمكن التوجّه إليهم بإعلانات تناسبهم. أما أجهزة المخابرات فبسهولة تستطيع اختراق الدفين في أفراد كل مجتمع عربي بمجرد فرز ما يغرّدون به في "تويتر" الذي يبدو حتى الآن ضارباً حقوق مشتركيه بعرض الحائط، فهو ليس مهتماً بالمرة بموقفهم إلى درجة أنه لم يصدر أي بيانٍ يبرّر إقدامه على بيع ما غرّدوه، خصوصاً أن البيع يشمل الإفصاح عن المكان التي كان فيه المشترك حين قام بتغريدةٍ ما في وقتٍ ما من يومٍ محدد، وهذه وحدها خصوصية لا تُباع ولا تُشترى والكشف عنها قد يحمل الشر والضرر.