انتقد رئيس هيئة حقوق الإنسان، الدكتور بندر بن محمد العيبان، تردد المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف النزيف الدموي في سوريا، وإيقاف التدهور الخطير لحالة حقوق الإنسان هناك، مطالباً الدول التي عطّلت التحرك الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة لوقف المجازر ضد المدنيين، وداعياً مجلس حقوق الإنسان إلى عدم التهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سوريا، لافتاً إلى أن دورة المجلس لهذا العام تُعقد في ظروف بالغة الدقة تمس جوهر عمل ووظيفة المجلس. وقال رئيس هيئة حقوق الإنسان خلال إلقائه كلمة السعودية في الدورة التاسعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف اليوم، إن المملكة دأبت على تعزيز مبادئ العدل والمساواة وتعميقها بين جميع أفراد المجتمع، وكفالة جميع الحقوق والحريات المشروعة, مشيراً إلى أن إيمانها بأن الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي ركائز مهمة في بناء المجتمعات وتعزيز حقوقها. وأوضح أن السعودية أولت جل عنايتها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بهدف رفع مستوى المعيشة، وضمان الرفاهية والاستقرار، وتوفير فرص العمل، حيث خصصت 24% من النفقات المعتمدة في ميزانيتها لعام 2012م لقطاع التعليم والتدريب، و26% للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية. واستعرض الدكتور بندر بن محمد العيبان، جهود السعودية لتعزيز كرامة الإنسان وحفظ حقوقه، مبيّناً أنه حرصاً من حكومة المملكة على حماية النزاهة ومكافحة الفساد، فقد تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ لتعزيز مبدأ الشفافية وحماية حقوق الإنسان، باعتباره محور وهدف خطط الدولة التنموية، مشيراً إلى أنه تكريساً لمبدأ استقلال القضاء والاحتكام إليه؛ فقد تواصلت الجهود لدعم مرفق القضاء بميزانيات إضافية, وسن تشريعات جديدة، والعمل على تعديل التشريعات القائمة؛ بما يعزز صون كرامة الإنسان ويحفظ حقوقه في إطار ما قررته الشريعة الإسلامية. وأبان أنه في إطار استمرار تعزيز مشاركة المرأة السعودية الفاعلة في النهضة التنموية الشاملة التي تعيشها السعودية، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قراراً يقضي بحق المرأة في عضوية مجلس الشورى، وحقها في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية. ولفت الدكتور بندر العيبان إلى أن سعي المملكة لتعزيز حقوق الإنسان لم يقتصر على المستوى الوطني، وإنما تجاوزه إلى المستوى الدولي, موضحاً أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الديانات والثقافات لاقت صدى إيجابياً لدى الكثير من الأوساط السياسية والدينية والفكرية على المستوى الدولي، مضيفاً: ولأهمية البناء المؤسسي لهذه المبادرة؛ فقد تم أخيراً التوقيع على اتفاقية إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا؛ لتحقيق الكثير من الأهداف والغايات النبيلة التي ترمي إليها هذه المبادرة. وشدد الدكتور العيبان، على أن "دورة مجلس حقوق الإنسان لهذا العام تُعقد في ظروف بالغة الدقة تمس جوهر عمل ووظيفة مجلسكم الموقر، في ظل استمرار التدهور الخطير لحالة حقوق الإنسان في سوريا، حيث لا يزال الشعب السوري بكل أطيافه، وفي كل مدنه وقراه، يعاني من جراء إمعان النظام السوري في استخدام آلة العنف، في القتل والقصف والتدمير من جهة"، منتقداً تردد المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذا النزيف الدموي. وأكد أن المملكة حذرت منذ وقت مبكر من التداعيات الخطيرة والمأساوية لحالة حقوق الإنسان في سوريا، عندما وجّه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شهر أغسطس من العام الماضي، نداءً إلى النظام السوري لتغليب الحكمة والعقل، موضحاً في الوقت نفسه أن الأوضاع هناك أصبحت على مفترق طرق لا يمكن التنبؤ بمستقبلها، وأن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، مؤكداً أن مستقبل سوريا أصبح بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، إلا أن النظام السوري -ومع كل أسف- فضّل الخيار الثاني، وقرر المضي في قتل شعبه وتدمير بلاده من أجل الحفاظ على السلطة. وأوضح رئيس هيئة حقوق الإنسان، أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها الجامعة العربية من خلال تبني المبادرة العربية لوضع حدٍ لتدهور الوضع الإنساني في سوريا، إلا أن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح بسبب تعنت النظام السوري، وفشله في تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها وقف عمليات القتل المستمرة ضد شعبه دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو دينية. وقال الدكتور العيبان: "لقد آن الأوان للدول التي عطّلت التحرك الدولي أن تنضم للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة لوقف المجازر ضد المدنيين العُزّل من النساء والأطفال والشيوخ، واستهداف الأحياء السكنية، وأماكن العبادة. إن مجلسكم الموقر لا ينبغي أن يتهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سوريا. إننا اليوم في هذا المجلس أمام مسؤولية تاريخية لتوحيد الجهود الدولية، ليس لمعالجة التداعيات الإنسانية الحرجة التي يعيشها أبناء الشعب السوري فحسب، بل لحمايته من آلة الحرب والقتل والتدمير". وأضاف: "إننا إذ ندعو إلى ذلك لنجدد ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الأسبوع المنصرم من أن المملكة العربية السعودية لن تتخلى عن موقفها الأخلاقي والديني تجاه الشعب السوري الشقيق". وحول قضية اليمن، قال رئيس هيئة حقوق الإنسان: "لقد أثبتت التطورات الإيجابية التي شهدتها الساحة اليمنية أخيراً أهمية تغليب الحكمة والعقل عند معالجة الأزمات الكبيرة والمؤثرة في حياة الشعوب، يشهد بذلك تجاوب جميع الفرقاء في اليمن مع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والتي وقعت في الرياض في نوفمبر الماضي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي جنبت اليمن الشقيق - بفضل الله- الاستمرار في مزالق الفوضى وسفك الدماء، وها نحن نرى اليوم كيف تم انتخاب السيد عبد ربه منصور هادي كرئيس توافقي لليمن، مع أملنا في أن تقود جهوده مع جميع الفرقاء إلى مزيدٍ من الاستقرار والرخاء. ونبّه الدكتور العيبان، إلى أنه في ظل اهتمامنا بهذه الأحداث والمعاناة الإنسانية يجب ألا ننسى أو نغفل عن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستة عقود بسبب الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشكّل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية". وقال: "من هذا المنبر تجدد المملكة موقفها من ضرورة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتفعيل قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، وأن تستمر مواقف وقرارات مجلس حقوق الإنسان معبّرة عن تطلعات الشعب الفلسطيني في تحقيق حريته، ورفع الحصار الجائر عنه، خصوصاً في قطاع غزة، والوقف الفوري لمسلسل الاستيطان غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية، وتمكينه من حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف". ولفت رئيس هيئة حقوق الإنسان، إلى أن السعودية تؤكد أهمية تعزيز وحماية حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا، غير أنها تنظر بقلق بالغ إلى إقحام قضايا لا تقع ضمن المبادئ المتفق عليها دولياً؛ كالتمييز على أساس التوجه الجنسي ضمن فعاليات المجلس، وكما هو منصوص عليه في إعلان فيينا؛ فإن الاعتبارات الثقافية والدينية أمرٌ يجب أن يؤخذ في الحسبان عند التصدي لحقوق الإنسان، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان. وإن أي محاولة لإقحام قضايا خلافية ضمن نشاطات حقوق الإنسان الدولية يقوض الجهود الرامية لتعزيز حقوق الإنسان، ويبعث على التشكيك في مصداقيتها. وشدد الدكتور بندر العيبان، على أن حماية وتعزيز حقوق الإنسان لم تعد ترفاً فكرياً، بل هي ضرورة ملحة، وخياراً استراتيجياً، يجب على كل دولة إرساء دعائمه وحمايته في الداخل، ودعم الجهود الإقليمية والدولية لضمان احترامه في الخارج، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات". وهنأ رئيس هيئة حقوق الإنسان، السيدة لورا لاسير، الممثل الدائم للأوروغواي، على توليها رئاسة مجلس حقوق الإنسان، قائلاً: "إنني على ثقة بأن حكمتها وخبرتها ستسهم في إنجاح أعمال هذه الدورة"، كما قدم الشكر لسلفها السيد سيهاساك بوانج كيتك يو، على الدور الفاعل الذي قام به خلال رئاسته للدورة السابقة. وأعرب عن تقدير المملكة لجهود المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافانيثم بيلاي ومعاونيها، خصوصاً في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها المجتمع الدولي؛ سعياً لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.