ردّ شرعيون واقتصاديون على تصريح وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب، حيال عدم لجوء الوزارة إلى فرض رسوم على الأراضي البيضاء، وطالبوه بضرورة إعادة النظر في ذلك، وتطبيق الزكاة الخاصّة بتلك الأراضي. وأكّد أستاذ الشريعة المشارك بجامعة الدمام الشيخ سعد الخثلان، خلال مداخلته ظهر أمس الجمعة، في برنامج "البيان التالي"، الذي يقدمه الإعلامي الزميل د. عبد العزيز قاسم، وتبثه فضائية "دليل" ، وجوب الزكاة على الأراضي البيضاء مادام الهدف منها هو التجارة، وقال: هناك فرقٌ بين الضرائب والزكاة، والأمير منصور قصد الضرائب، أما الزكاة فهي فريضة ويجب على مُلاك الأراضي الذين يقصدون بها التجارة أن يؤدوا الزكاة. وحول كيفية إلزام مُلاك الأراضي بدفع الزكاة، قال: من الممكن لمجلس الشورى أن يحدّد آلية لجباية الزكاة، على أن تُستثنى المساحات التي تقل عن 2000 م، ومسألة الآلية ترجع إلى ولي الأمر، مثل مصلحة الزكاة والدخل.
أما من الناحية الشرعية فالزكاة واجبة على هذه الأراضي مادام القصد منها التجارة، لأن من مقاصد الشريعة توزيع المال بين طبقات المجتمع.
وحول سؤال عن رؤيته للحل، قال: الحل هو إلزام مُلاك الأراضي بدفع الزكاة، والتعميم على كُتّاب العدل عدم إصدار صكوك الملكية لأصحاب الأراضي إلا بعد التأكد من دفع أصحابها الزكاة, ومن الممكن منح رخص لزيادة عدد الطوابق.
واعتبر الكاتب ورجل الأعمال جميل فارسي، في أثناء استضافته في البرنامج، أن مشكلة احتكار الأراضي هي المشكلة الأولى في المملكة، وهي التي تتسبّب في وجود غيرها من المشكلات في شتى المجالات، وقال: إن احتكار الأراضي تسبّب في إفراز مشكلة خطيرة هي العشوائيات التي نشأت كسوء توزيع للأراضي، وأدت إلى محاصرة مدن المملكة بالإقطاعيات الضخمة التي تمنع تمدّدها. وحول موقفه من فرض رسوم على الأراضي البيضاء، قال: طالما أن نيّة أصحاب المساحات الضخمة من الأراضي معقودة على هدف التجارة، فتجب على الأراضي الزكاة، مضيفاً أن فرض رسوم مقدارها 2.5% على الأراضي سنوياً سيضطر أصحابها إلى بيعها. وأوضح أن الملكيات الضخمة لمساحات الأراضي نشأت نتيجة للمنح، وأضاف أن منح الأراضي كان مشروطاً بإحيائها، وهو ما لم يحدث، وأشار إلى فتوى أصدرها مفتي السعودية السابق الشيخ محمد بن إبراهيم، أوجب فيها استرجاع الأراضي إذا لم يفِ الممنوحون بإحيائها، وتابع: إذا كان الأمير منصور قد استند في تصريحه إلى حرمة أموال المسلمين قاصداً فئة مُلاك الأراضي، فلماذا لا يجري التفكير في حرمة حقوق المسلمين الذين في حاجةٍ ماسّة إلى هذه الأراضي لحل مشكلاتهم, وقال: إن الشريعة الإسلامية أعطت صلاحيات مطلقة لولي الأمر لاتخاذ ما من شأنه صلاح أحوال المسلمين، ومن حقه أن يفرض على أصحاب الملكيات الضخمة ما يشاء. وحول سؤال عمّا يروّج له العقاريون من أن فرض رسوم على الأراضي سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها، قال: من المحتمل أن تؤدي الرسوم إلى رفع السعر على المواطن في السنة الأولى لفرضها فقط، لكن بعد ذلك سيضطر المالك إلى بيعها، وعن رؤيته للحل، قال: يجب علينا كمختصين البحث عن الحلول ثم عرضها على العلماء بعد ذلك، وأضاف أن الحل المنطقي هو استرجاع المساحات الضخمة من المُلاك إلى الدولة، واستثناء المساحات الصغيرة المخصّصة لبناء المنازل وليست مخصّصة للتجارة. من ناحيته، اعتبر الخبير الاقتصادي المهندس عصام الزامل، أن تصريحات الأمير بن متعب حول الأراضي البيضاء نشرت الإحباط بين المواطنين، قائلاً: كانت هناك تسريباتٌ طوال الشهرين الماضيين حول اقتراب فرض رسوم على الأراضي البيضاء حتى صدر تصريح الوزير الذي لا يعرف على وجه القطع إن كان قد ألغى الزكاة أم ماذا؟ وحول رؤيته للحل، قال: الحل يبدأ من تشخيص المشكلة، التي تكمن في صعوبة الحصول على السكن بالنسبة للمواطن السعودي، والسبب هو غلاء الأراضي البيضاء، والسبب ليس شح الأراضي ولكن احتكارها، وإذا كانت المشكلة هي الاحتكار فيجب كسر الاحتكار، بنزع الأراضي من المحتكرين، والطريقة الأخرى هي زيادة تكلفة الاحتكار من خلال فرض الرسوم، وهناك حلول أخرى مثل زيادة الطوابق، وانشاء المدن الجديدة. وحول الآراء التي يروّج لها العقاريون من أن فرض الرسوم سيؤدي إلى غلاء أسعار الأراضي على المواطنين، قال: ما يدعيه العقاريون حول ارتفاع الأسعار مع فرض الرسوم على الأراضي غير صحيح وشبه مستحيل، لأن القيمة السوقية للأراضي البيضاء لا تقل عن تريليوني ريال وأخذ 2.5 % زكاة عليها سيوفر لخزينة الدولة 50 مليار ريال سنوياً، كما سيؤدي إلى بيع ما قيمته 5 % من مساحة الأراضي وهذه المساحة ستفي بمتطلبات السوق السعودي والتي تقدر بمئتي ألف وحدة سكنية كل عام، وكل هذا سيؤدي إلى هبوط الأسعار. بدوره استنكر أستاذ الشريعة بجامعة القصيم الدكتور خالد المصلح، إقحام هيئة كبار العلماء في مسألة الأراضي البيضاء وتحميلهم مسئولية تجميد فرص الوصول إلى حل، وقال: موضوع الأراضي شائك ودخول العلماء فيه رجع صدى، وليس مفروضاً أن يطلب منهم حل المشكلة، التي من المفروض أن ينبري لها المتخصّصون من الاقتصاديين وغيرهم، وأضاف أن الهيئة قدمت فتوى لكنها لم تمنع النظر في إيجاد حلول أخرى للمشكلة، وطالب باسترجاع أراضي المنح مشيراً إلى أنها مُنحت بهدف إحيائها ومادام الهدف لم يتحقق، فلولي الأمر الحق في استرجاعها، لأن حُرمة المال العام تفوق حُرمة المال الخاص.