وجّه الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، رسالة حول ما تنعم به المملكة من الأمن والاستقرار والرخاء والتقدم والازدهار، والعمل على خدمة الحرمين الشريفين وإعمارهما، وحَثّ على الوحدة والجماعة بين أبناء المملكة السعيدة، والتلاحم بين أبناء الشعب والقيادة الرشيدة. وقال الشيخ السديس في رسالته : "الحمد لله، أمر بالائتلاف والجماعة عدلاً وإرشاداً، وبلوغاً لذُرَا الخيرية وإسعاداً، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الذي أبَان معالم السُّنَّة والجماعة؛ فكان الحقُّ والهُدَى غايةً ومُراداً. وعلى آله وصحبه البالغين من الترابط أمجاداً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين".
وأضاف: "إن الوِحدة الدينية والوطنية من الضروراتِ المحكمات، والأصولِ المسلّمات، كما هي من أسس الأمن والاطمئنان، ودعائم الحضارة والعمران؛ بل هي معراج لبلوغ مرضاة الدَّيان، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}، وقال سبحانه: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
وتابع: قال الإمام البغوي: "بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين، والألفة والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة".
وإذا القلوب تآلفت مع بعضها لا بد أن يُدْرِكْن كل مرادِ ويَدُ الإله مع الجماعة بَيِّنة عملت بِها الآباء والأجدادِ وأكمل الشيخ السديس: "إن ما ننعم به اليوم من الأمن والاستقرار، والرخاء والتقدم والازدهار؛ لهو من فضل الله أولاً، ثم مما مَنّ الله به علينا من الوحدة والجماعة بين أبناء المملكة السعيدة، والتلاحم بين أبناء الشعب والقيادة الرشيدة؛ فلقد أذِن الله تعالى لهذه البلاد بالاجتماع بعد الفُرقة، والتوحد بعد الشقاق على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، تغمده الله بواسع رحماته وأنزل على قبره شآبيب الرضوان والمغفرة، فنعمت البلاد والعباد بالخير والبركة والرخاء.
سَل التاريخ مَنْ أَرْسى العِمَادا ومَنْ لِلْمُلْك شَمَّر واستعادا أقام الدين والدنيا فعَمَّا عرين العُرْبِ أمْناً واقتصادا تَوَحَّدَتْ الجزيرة واستقرت وصارت موئلاً للخير جادا
وتابع : بهذا التوحيد وهذه الوحدة أقامت المملكة أصلاً مكيناً من أصول الدين، وأقرّت أعين الموحدين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ثم إن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين "، ويقول العلاّمة ابن القيم: "ولُزوم الجماعة مما يُطهِّر القلب من الغِل والغش.
فَلْنَحْتَفِ وَلْنَلْتفّ حول الوشيجة الدينية، والآصرة الوطنية التي لا تُشَاد ولا تَسْبَكِرّ، ولا ترسو ولا تَسْتَقِرْ؛ إلا على أصول وَحْدتنا الإسلامية، وبكل الإعزاز والفخر والحمد لله والشكر نتذكر أنه في مثل هذا اليوم كان الانطلاق إلى توحيد البلاد الغالية وتوحيد القلوب المؤمنة وتوحيد الصفوف قوة وعزماَ.
وأضاف: " لقد عمل الملك المؤسس -رحمه الله وطيّب ثراه- على توحيد الكلمة ورأب الصدع بين مختلف الأفراد والجماعات والقبائل، وقد أبان -رحمه الله- عن منهجه في الوحدة والاعتصام بقوله: "أنا مسلم وأحب جمع الكلمة وتوحيد الصف، وليس هناك ما هو أحب إليّ من تحقيق الوحدة"، ثم أردف أقواله بالأفعال ونِعِمَّا هي.
وأينع السعي أمجاداً مؤثلة ودولة ساعدها الشرع والسُّمُرُ فلنلهج اليوم بالشكرى يؤرجها حب وفخر وعهد زاهر خَضِرُ
وتابع: "إن ما ننعم به اليوم من أمن وريف، ومجد مؤثل منيف؛ لهو من فضل الله تعالى أولاً ثم ما مَنَّ الله تعالى به على هذه البلاد من ولاة الأمر الذين ينهجون النهج الإسلامي القويم، من التآلف والوئام، والتعاضد والاعتصام؛ انطلاقاً من قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} فساروا جميعاً على الدرب القويم لا يبغون عنه حِوَلاً، وهو درس للأجيال والناشئة أن يسيروا على نهج أسلافهم في التوحيد والوحدة مع استثمار وسائل العصر وتقنياته في تعزيزها، وبُعد عن المسالك واللوثات المخالفة لمنهجهم العقدي وانتمائهم الفكري وولائهم الوطني.
بلادي في مراقي المجد تَسْمو وتطوِي الأَعْصُرَ الهوجَ الشِّدَادا
وأضاف: إن من آلاء الله تعالى، ما أفاء بهجل وعلا على بلادنا الغالية -بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية- من نعم لا تُعدّ ولا تُحصى، وإن من أولى النعم وأعظم المنن أن جعلها سبحانه مهبط الوحي ومنبع الرسالة وقبلة المسلمين؛ منها أشرقت أنوار التوحيد والسنة وعمت الأرجاء، وأضاء سناها جميع البقاع والأنحاء
إلهي خصها وقد اصطفاها وأرسل للبرية مصطفاها ومنها شع إسلام حنيف أنار الأرض حتى منتهاها وتابع: كما مَنّ عليها -سبحانه- بولاة أمر أفذاذ أماجد نبلاً أماثل كرماء، تتابعوا في عقد وضاء ونجابة شماء منذ تأسيسها على يد الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- بيض الوجوه، كريمة أحسابهم، شم الأنوف من الطراز الأول، فهم أرومة مباركة، وذؤابة سامية سامقة من العقود الدرية أصحاب المناقب العلية والمكرمات الندية إلى هذا العهد الزاهر الخصيب الباهر عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله رعاه- صاحب الهمة العالية، والنفس المتفانية، والقرارات العظيمة الحازمة، والمشروعات العملاقة الجسيمة؛ حيث على يديه تضاعَفَ الخير والنماء والهناء؛ فالدار عامرة، والأرض زاهرة، والسبل باهرة، والسحب ماطرة، والأمن منتشر، والخير مدرار.
وأكمل: "ولقد كان من فضل الله على بلادنا و العالم الإسلامي أجمع بهذا المناسبة الغالية ما تَفَضّل به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في شهر رمضان المبارك من تدشين خمسة مشاريع وهي: (مبنى توسعة المسجد الحرام، وساحات التوسعة، وأنفاق المشاة، ومجمع الخدمات المركزية، ومشروع الطريق الدائري)، وأيضاً اعتماده -حفظه الله- التصميم المعدل لتوسعة المسجد النبوي الذي يتضمن بناء المرحلة الأولى في الجانب الشرقي والمرحلة الثانية في الجانب الغربي مع توسعة الصفوف الأولى، واطلاعه -حفظه الله- على مجسم مشروع درب السنة، ومجسم مشروع إعادة إنشاء وتوسعة مسجد قباء، ومجسم مشروع دار الهجرة، ومجسم مشروع مخطط الوزارة للتعويض العيني، ومجسم مشروع مركز الملك سلمان للمؤتمرات، وعرض المخطط التطويري العام للمنطقة المركزية الجديدة للمدينة المنورة.
واختتم يقول: جزى الله خادم الحرمين خير الجزاء كفاء ما قدم للإسلام والمسلمين، وما أولى للحرمين الشريفين، وأن يمتع الإسلام والمسلمين بطول بقائه، وأن يُديم في سماء المجد ارتقائه، وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية، وأمد في عمره وصالح أعماله، وشد أزره بولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وولي ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وشكر الله لأميرنا الموفق خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكةالمكرمة، والأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينةالمنورة، وحفظ بلادنا بلاد الحرمين الشريفين -درة الأمصار وشامة الأقطار- من كل سوء ومكروه، وزادها أمناً وإيماناً، وسلاماً واستقراراً، وجعلها سخاء رخاءً، وحفِظ عليها عقيدتها وقيادتها وأمنها ورخاءها، وسائر بلاد المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيناً محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.