مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كانت حركة امل تمارس ما يمارسه حزب الله الآن، فلم يكن قد ظهر بعد، فناصرت تلك الحركة، قوات الكتائب على القوى الوطنية اللبنانية والمنظمات الفلسطينية، فكان الكاريكاتير الابرز، في تلك المرحلة، لرسام الكاريكاتير في الرأي الاردنية، رباح الصغير، «رحمه الله»، يحمل جملة «أمل إبليس في لبنان »، لم انسه قط، ويصلح الآن لوصف دور ايران في المنطقة العربية. فقد تكررت في الآونة الاخيرة الاسطوانة الايرانية المشروخة، بأنها اصبحت تطل على البحر الأبيض المتوسط، وتواصل ظهور مسئولين ايرانيين يرددون هذه الاسطوانة، وكأن المعركة في سوريا حسمت لمصلحة الاسد، او ان لبنان أصبح في قبضة حزب الله، الذي يتبع ولاية الفقيه، ولا ينتمي الى بلده اللبناني، وكأن العراق، وإن هو الآن أقرب الى محمية إيرانية، قد حسم الامر فيها لصالح طهران. تفاءل العرب والمسلمون السنة بثورة الآيات في بداية الامر، على اعتبار انهم تخلصوا من امبراطورية بهلوي، ليفاجئوا، ولم يبدأ الآيات بالحكم، حتى اصبح حديثهم يتمحور حول تصدير الثورة لدول الجوار، لتنقشع الغمة، والنتيجة المؤكدة في هذه الثورة «ان صحت التسمية» ان الحكم في ايران فقط استبدل «الكاب» بالعمامات. ورغم ثورة الخميني على الشاه عام 1979، الا ان طهران ظلت على طموحها، ما يؤكد أن الأهداف الاستراتيجية لا تتغير كما هو في الأهداف السياسية، فوضع اللبنات للتمدد الإيراني في المنطقة، وطرح دعوة تصدير الثورة، واحداث هزة في الخليج والعراق، أشعل الحرب مع العراق فترة حكم صدام حسين، ما حدا بالخميني إلى الانتقال من تصدير الثورة إلى تصدير الدعوة. الطموح الايراني، ان كان زمن «الكابات» او «العمائم»، هو احياء الدولة الفارسية، والثأر من أمة العرب على اسقاطها كسرى، وهذه حقيقة، حتى الاغلب الاعم من الشيعة العرب يؤيدون ويؤكدون هذه الرواية، الا اولئك الذين لا يزالون يعتقدون، «وهم قلة، والحمد لله» ان طهران تعمل من اجل حمايتهم، لا انها تأخذهم وقودا في معركة استرجاع حكم وامبراطورية كسرى، كما ان الأمر لطهران جداً مهم، انها تعتمد على الشخصيات ذات الأصول الفارسية الشيعية لتنفيذ مآربها الخبيثة، وبخاصة في العراق، فعندما يكون الخيار بين شيعي عربي وعلوي وبين شيعي صفوي، فالأفضلية تكون بالطبع بالنسبة لطهران الثاني، ولعل قومي يفقهون. وبعد نجاح الثورة الإسلامية، خاض قادتها في بحار الدم على امتداد سنوات حربهم مع العراق، وقبل أن تجف الدماء يكررون تجربة الشاه، ولا يتوقفون عن تحدي القوى العالمية، لتلوح في الأفق نذر حرب جديدة. الظهور الكاذب، لاولئك المسئولين الايرانيين، تعدد منذ عام 2004 عندما حذر ملك الاردن من خطر الهلال الشيعي، ووصل اوجه بسيطرة المتمردين الحوثيين على صنعاء، في غفلة من الزمن العربي. وحتى يتضح المشهد السياسي يجب الاطلاع على ما يدور في أروقة النظام الصفوي ومؤسساته، إذ قال موقع «شفاف» الإيراني في تقرير له عن تطور الأحداث في اليمن: إن إيران ستصبح جارة للمملكة العربية السعودية من الجهة الجنوبية «عندما تتشكل دولة الحوثيين الحليفة». ووصف «شفاف» المشهد اليمني بعد نجاح الحوثيين في مشروعهم وإسقاط الحكومة المركزية في صنعاء: «سوف يتم تشكيل إقليم شيعي مستقل بكامل الخيارات القانونية والإدارية في صعدة، ويصبح الشيعة في اليمن لديهم حكومة شبه مستقلة في الشمال». ويعتقد ملالي طهران، انه بالخطة الحوثية سيضغطون على الخليج العربي للمقايضة بالابقاء على النظام السوري ومبادلة دمشقبصنعاء.. انها اضغاث احلام.. لا الخليج يرضاها ولا حتى ثوار سوريا او شعبها، الذي قدم عشرات الآلاف من الارواح قرابين للحرية والتخلص من النظام الاسدي. وبالعودة الى عام 2004، فقد استشرف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الهدف الايراني، فحذر من وصول حكومة موالية لإيران إلى السلطة في بغداد، تعمل بالتعاون مع طهرانودمشق «لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان ويخل بالتوازن القائم في المنطقة». وكرر اتهامات واشنطن لسورية ب«تدريب مقاتلين أجانب يعبرون إلى العراق». وبحسب ملك الاردن فإن «إيران تجد مصلحتها في اقامة جمهورية اسلامية في العراق، وهي تمول نشاطات خيرية عدة في هذا البلد لتحسين صورتها». مواصلة طهران سياساتها في العراقوسورياولبنان، ومحاولاتها نشر التشيع وبخاصة في مصر، لإنشاء «هلال» اقليمي تحت نفوذ شيعي سيؤثر بما لا يدع مجالا للشك في التوازن التقليدي بين الشيعة والسنة، وسيترجم «مشاكل جديدة لا تقتصر على حدود العراق». وفي ذات الوقت قال الرئيس العراقي في حينه غازي الياور إن «الوضع يدل، من دون أي شك، على أن إيران تتدخل بشكل واضح في شئوننا»، مؤكداً أن طهران تصرف «الكثير من الأموال» وأنها تقوم «بنشاطات استخباراتية كثيرة (...) لا سيما في جنوب شرقي العراق». وتجيد ايران على نحو لافت، بحسب الخبير العراقي نزار السامرائي، استغلال الظروف السياسية والأزمات التي تواجهها دول وجماعات تعيش معها نزاعات وصراعات على مناطق النفوذ أو الثروات أو الحدود، لتمارس أكبر قدر من الضغوط عليها لانتزاع أقصى ما تستطيع الحصول عليه من تنازلات مستعينة بمنظمات ومليشيات ومافيات من كل الأجناس والجنسيات وذلك بتنفيذ عمليات متعددة المحاور بدءا من تهريب المخدرات، إلى تبييض الأموال وعمليات الخطف ومساومة الدول ذات العلاقة أو أسر المختطفين، أو العمليات الإرهابية التي ينفذها وكلاء إيرانيون سريون وعلنيون، يتركون الدول الكبرى في حالة خوف من المجهول عن مكان الضربة القادمة وزمانها، فيضطرون لتقديم التنازلات ومنح المافيات السياسية حقوقا مماثلة لحقوق الدول. ويضيف السامرائي: لقد عرفت إيران منذ وقت مبكر القيمة الكبرى للساحة اللبنانية التي تتقاطع عندها أنشطة أجهزة مخابرات إقليمية ودولية ومافيات زراعة المخدرات وتهريبها وعصابات الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، ولهذا أنشأت في لبنان مافيا من نوع جديد على عالم المافيات المعروفة وهو مافيا حزب الله الطائفية المرتبطة بولاية الفقيه من حيث التوجهات العقائدية ومن حيث الارتباط بالتوجيهات السياسية والأمنية وألبستها رداءً سياسيا مقاوما لإسرائيل، باعتبار هذا التوجه بطاقة دخول إلى قلب المواطن العربي، على حين أننا نعي جيدا أن إيران تسعى لاستبدال مشروع التوسع الصهيوني المفروز تاريخيا بحالة العداء العربي الصهيوني، بالمشروع القومي الفارسي الامبراطوري الجديد الذي ارتدى رداء إسلاميا. ولما كانت إيران قد لمست لمس اليد مزايا الاطلالة على البحر المتوسط، فقد خططت لإقامة هلال شيعي راسخ الأقدام يمتد من قم وطهران حتى شواطئ المتوسط، ومن هنا وجدت إيران في سوريا موقعا متوسطيا في غاية الأهمية والتأثير على الوضع في لبنان الذي يعطي من يتحكم بشؤونه مزية استراتيجية لا نظير لها، فمنحت الأقلية العلوية الحاكمة في سوريا دعما سياسيا من دون قيود أو حدود، مقابل ذلك وقفت سوريا بكل ما تملك من قوة إلى جانب إيران في تلك الحرب وزودتها بمختلف أنواع الخبرة العسكرية والأسلحة التي لم تكن إيران تمتلكها، وخاصة الصواريخ سوفيتية الصنع، حتى لو كلف ذلك دمشق خروجها الفاضح على ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، وألبس الرئيس السوري السابق حافظ الأسد موقفه لباسا عقائديا كاذبا لمجرد تبرير موقف مثير للجدل والاعتراض داخليا وعربيا وحتى داخل الأوساط الحزبية في سوريا. من هنا يمكن أن نجد التفسير الوحيد الذي ألقت حكومة الولي الفقيه بكل ثقلها إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في أزمته مع الشعب السوري، وجاء تدخل مافيا حسن نصر الله اللبنانية في سوريا تنفيذا لقرار متخذ في طهران من جانب علي خامنئي مرشد الثورة في إيران، لأن تلك المعركة تمثل أعلى نوع من صراع الإرادات في سوريا وهي أول محاولة جدية لطرد إيران من سوريا ومن ثم من لبنان، فإيران التي تعتبر أن خطوط أمنها القومي وصلت إلى شواطئ المتوسط بسبب نظرية الأمن الإيراني الجديدة، أيقنت أن خروجها من سوريا ثم من لبنان سيدخل نفوذها في العراق الذي حققته بعد الاحتلال الأمريكي له وبفضله نتيجة التسويات السرية بين واشنطنوطهران، سيدخله في أسوأ امتحان له منذ نهاية الحرب العراقيةالإيرانية، لينتقل الضغط بعد ذلك من المداخل أي عبر الحدود على نظام الولي الفقيه، إلى الضغط من الدواخل بدعم من كل القوى التي تضررت في السابق من دور إيران وخططها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول القريبة منها والبعيدة عنها.