لم يجد أهالي محافظات "الخرمة ورنية وبيشة" سبيلاً في الحد من فقدانهم لأبنائهم على جنبات طريقهم المخيف؛ إلا من خلال التضامن والتكاتف في الصوت، عبر وسم نشط بشبكة التواصل الاجتماعي "تويتر", متطلّعين إلى وصول كلماتهم لخادم الحرمين الشريفين "سلمان الحزم", وإلى تدخّله لإنهاء معاناة طريق تجاوز عمره الافتراضي 40 عاماً؛ اعتادوا خلالها وبصفة سنوية، على وعود المسؤولين بأن يتحوّل الطريق إلى مزدوج ذي سياج جانبي؛ وليس بوضعه الحالي الذي يُعاني من مسار يتيم وضيّق، ويحوي طبقة أسفلتية رديئة ومتهالكة، يتم ترميمها باستمرار، وبميزانيات متعددة. أهالي المحافظات تضامنوا عبر وسمٌ سُمّيَ ب "#معاناة_طريق_رنية_بيشة_الخرمة"؛ وتفاعلوا فيه بعشرات التغريدات والصور والقصائد الشعرية المعبّرة عن حال الطريق؛ وعن كونه يلتهم عابريه دون رحمة.
ورثى عددٌ ممن شارك بالوسم آخر ضحايا الطريق في الأيام الماضية؛ عندما فُجِع أهالي رنية تحديداً بمصرع أحد شيوخ القبائل وأحد أعضاء المجلس البلدي في المحافظة؛ وتعرّض آخر لإصابات جسيمة، نقل على إثرها لقسم العناية الفائقة بمحافظة بيشة.
ومن بين المشاركات التي لاقت تفاعلاً كبيراً؛ كلمات شاعر النظم والمحاورة المعروف زامل السبيعي, والتي قال فيها: يا وزير النقل وش قال الملك عبدالله.. الدراهم عندكم كلٍ يبين إنتاجه. يعني إن العذر ما يمدي قبوله لله.. ومات أبو متعب ونار أخطوطنا وهاجه. الطريق اللي ذبحنا ما لقيتوا حله.. عندك أرواح البشر ماهيب تسوى حاجة. يا وزير النقل فعلاً صار شغلك كله.. تنقل آهلنا من آهلهم ليا الثلاجة. مير يا سلمان والله ثم والله والله.. خطنا منعاج وأرقاب الرجاء منعاجة.
كما قدّم الشاعر حمود بن قاسي كلمات قال فيها: من الخرمة وسيّد لرنية ورح قدام.. ماجي معه لين أوصي هلي وأخذ أكفاني. وإذا كان داعش يستبيح الدماء في الشام.. علي الحرام إن خطنا داعش الثاني. حسب خبرتي ما فيه يوم من الأيام.. تعدا ما صار بخطنا موت وأحزاني. أرواح برية فيه راحت على الصدام.. بذمة وزير النقل حيث أنه الجاني. يا سلمان لامنا شكيناه ما نلام.. ما دامه مقصر طال عمرك ومتواني.
وعبّر شاعر تكنّى ب"ولد العز" قائلاً: كم فقدنا من ولد عم وصديق وعانيه.. والسبب هو خط رنية عسى ربي يعين. لابرت طعنته الأولى يجدد ثانية.. والبلاء وزارة النقل عنا غافلين.
وتساءل الشيخ "محمد بداح بن فليان": إلى ولاة أمرنا؛ إلى من ولاهم الله أمر المسلمين.. طريق رنية ما زال يحصد الأنفس!! هل من إنقاذ لأرواح شعبكم أم سيطول انتظارنا؟!".
وأضاف في تساؤله: "بعد هذه الهشتاقات والنداء لولاة الأمر ومسؤولي الدولة؛ هل لنا بمن يطمئننا ويحسسنا بأن صوت المواطن مسموع؟ هل من وعد؟".
وعن رُعب الطريق؛ قال نجم (زد رصيدك) "سعيد الشهراني": "الله يعين أهل رنية والخرمة على هالطريق، الواجب اللي يروح مع هالطريق ويوصل سالم يذبح قعود على سلامته".
وتساءل ملتقى الصنادلة عن عمر الطريق وأعداد الوفيات والإصابات دون تحرّك المسؤولين بقوله: "طريق رنية بيشة الخرمة.. مصيدة للأرواح وتخاذل مسؤول! اسم هذا الطريق أصبح الآن هاجساً مخيفاً لا يفارق سالكيه؛ ما أن يذكر اسمه إلا ويبدأ سكان تلك المحافظات باسترجاع المآسي والآلام التي عاشوها في فقدان أهاليهم, حوادثه لا تخرج إلا بوفيات أو إصابات خطرة, أهالي تلك المحافظات يوماً بعد الآخر يتجرعون مرارة تلك المأساة التي لم تنته رغم كثرة الوعود على سنين طويلة".
وأضاف في تساؤل: "هل يعقل أن عمر هذا الطريق تجاوز 40 عاماً ولم تجد وزارة النقل حلاً للحد من هذه الكارثة التي تتجدد أسبوعياً بفقدان أنفس؟ مع العلم أنه يأتي وزير ويعد بالحل ويذهب بدون حل!".
وأكّد عضو المجلس البلدي في رنية؛ فاصل بن مطلق البيرق, أن معاناة الأهالي وعابري الطريق لا تخفى على كل مسؤول, مبيناً أن المنازل لا تكاد تخلو من فقد عزيز لها في هذا الطريق، مشيراً إلى أن الدولة اعتمدت ميزانيات لهذا المشروع؛ غير أن المعدات والآليات في الموقع ويقابله تعثّر العمل!
ودعا الحميدي السبيعي؛ وزير النقل إلى زيارة الموقع والوقوف على عمل الشركات المتوقفة, مؤكداً أن الطريق يربط بين منطقتين وبمسافة 400 كلم؛ ومزدحم بالمركبات الصغيرة والكبيرة؛ ونتج عنها حوادث مفجعة.
وعبّر الإعلامي بندر البراهيم؛ عن قلقه أثناء سفره مع الطريق, وعن كون ذويه لا يتوقفون عن الاتصالات المستمرة حتى يتجاوزه, وعن كون الطريق يهدد مستقبل سالكيه, داعياً إياهم إلى كتابة عبارات الوصايا والإكثار من نطق الشهادة أثناء السير على جنباته، نظير أخطاره المميتة.
وتفاعل أيضاً في الوسم من تكنّى ب"شاعر الأمن"؛ عايش أبو ليل, وحمّل إدارات "المرور" مسؤولية عدم رفع الإحصاءات الحقيقية من أضرار الطريق وباستمرار لوزارة النقل بقوله: "هناك عدة دوائر حكومية تشترك في مسؤولية هذه المأساة, وليست وزارة النقل فحسب, مثل المرور, ويجب أن يكون الرفع المبدئي والمطالبة منهم أولاً؛ لأنهم من يباشرون ويعايشون هذه الحوادث يومياً، والمفترض أن يكون لديهم الآن عدة مكاتبات تطالب وزارة النقل بالنظر في هذا الطريق وتحسين وضعه".
وأردف قائلاً: "أقترح أن يُعمل عرض رفيع المستوى يوضح به سلبيات هذا الطريق؛ متضمناً إحصائية للحوادث التي وقعت عليه؛ يتم التزود بها من قبل إدارات مرور تلك المحافظات, ويوضح به أيضاً مطالب المتضررين منه، ويتقدم به مجموعة من أعيان هذه المحافظات لمعالي وزير النقل, مدعوماً بصور من الخطابات السابقة التي تطالب بهذا الخصوص إن وجدت, وفي ظل قيادة سلمان الحزم –حفظه الله–، ثقوا بأن صوت المواطن واصل ومسموع بإذن الله".
ووجّه "ملتقى اللحامين" رسائل عِدة لوزير النقل ولرئيس هيئة مكافحة الفساد؛ مشيراً إلى أن التعثر يقع على فشل إنجاز المشاريع، وقال: "مشروع ازدواجية الطريق أُقر وينفذ الآن.. إذن المشكلة تكمن في الشركة المنفذة له ومماطلتها وتسويفها بإنجاز المشروع".
وأتبع بالقول: "مسؤولية هذا التعثر تقع على عاتق وزارة النقل التي يفترض عليها متابعة مشاريعها وسحبها من مقاوليها في حال عدم إنجازها في الوقت المحدد"، مضيفاً: "في ظل هذه المماطلة من مقاولي مشاريع وزارة النقل؛ فالأمر يتطلب تدخل مكافحة الفساد الذي يعتبر هذا هو لُب عملها المناط بها! فالأمر ليس بالسهل، فهو يتعلق بأغلى ما يملك البشر (أرواحهم) و(صحتهم) التي حُرم الكثير منها بسبب هذا الطريق المرعب، وأسر بأكملها ابتدأت معاناتهم من هذا الطريق (طريق الموت)".
وقال في رسالته: "يا وزير النقل، ويا رئيس هيئة مكافحة الفساد.. كل يومٍ يمر على عدم اكتمال مشروع طريق "الخرمة رنية بيشة" هو مجرد يوم دامٍ, ويوم يحمل من الأسى الكثير لعابري الطريق وأهاليهم".
وطالب الإعلامي سعد دعال بأن تكون هناك متابعة شخصية من وزير النقل؛ بعد طول الانتظار والحاجة الماسة للمتابعة السريعة والعاجلة للشركات المنفذة للطريق.
كما غرّد ملتقى "بني ثور" بكلمات عنوانها الأسى: "لا جديد يذكر ولا قديم يعاد.. أصبح روتيناً يومياً، بس الاختلاف بالبشاعة".