مسرحية خشبتها كانت أرض الواقع، أما الممثلون فيها فكانوا شخوصاً قد لا نعرفهم، ولكن مأساتهم تتكرر يومياً، بينما العنف والجهل أبرز أبطالها، تروي المسرحية حكاية سيدة لبنانية شاءت الأقدار أن تأتي إلى السعودية أول مرة برفقة عائلتها لتختار طريقها وتنال بعده حياة مليئة بالأسى. أم عمر سيدة في الأربعين من عمرها تعيش في مدينة الرياض، تعمل جاهدة من أجل تربية ستة أطفال هم حصيلة حياتها وأملها في غد أفضل، تروي تفاصيل حكايتها بأسى وحرقة وهي مصرَّة على أن الأمل لازال موجوداً، وأن الخطأ خطأ فردي لا علاقة له بدين أو مذهب. وتقول "جئت إلى المملكة وأنا في مرحلة المراهقة، وعند دراستي في السعودية جذبتني المواد الدينية فأصبحت شخصاً آخر، وقررت أن ألتزم بكتاب الله وشرعه، وهو ما لم يرضي أهلي المتحررين". وتواصل أم عمر بقولها "التزمت بالحجاب وبأشياء أخرى رفضها أهلي، وعندما اضطروا للعودة إلى لبنان، ووجدوا أنني لم أذعن لكلامهم، قرروا تركي لخياري، حيث تزوجت بعدها من رجل سعودي". وأضافت "عشت مع زوجي الأول قرابة عشرة أعوام، عذبت خلالها وشعرت أنني وحيدة، ولكنني قررت عدم العودة إلى أهلي خوفاً من الفتنة في ديني". "الخوف من الفتنة" هو ما دفع أم عمر للاستمرار والصبر، ولكن خيارها كان الطلاق، وتحكي كيف أنها خرجت محطمة من زواجها الأول، لكنها كانت تأمل في تربية طفليها، تربية صالحة. وأشارت أم عمر أن ما رأته في زواجها دفعها لحفظ كتاب الله كاملاً، ولتصبح بعد ذلك إحدى معلمات القرآن المعروفات في مدينة الرياض ومناطق أخرى، بعد أن تمكنت من الحصول على الطلاق من زوجها. وتضيف أم عمر في حديثها مع "سبق" : "بعد طلاقي تقدم لي رجل وافقت عليه لدينه، لم أطلب منه شيئاً سوى الإنفاق على أطفالي"، مشيرة إلى أنه وافق مباشرة، وعاشت معه فترة جيدة، ولم تلحظ أي تغير منه حتى ولادتها لطفلها الأول. ولم تتوقف معاناة أم عمر، حيث قالت "ولد ابني خالد مريضاً ولديه عيب خلقي، فإحدى الخصيتين لديه معلقة داخل جسمه، ولكن زوجي في حينها رفض علاجه أو عرضه على الأطباء، بل وفي أحيان أخرى كانت ترتفع درجة حرارته، فيرفض أخذه إلى طبيب إلا بعد أربعة أيام من مرضه، ما أثَّر على كافة الأعضاء الأخرى بجسمه"، مشيرة إلى أن مشاكلها مع زوجها الذي كان يعمل وكيلاً شرعياً زادت بعد أن بدأت شخصيته الأخرى تظهر. وأضافت أم عمر "أصبح زوجي يقطع عني وعن أطفالي المصروف، وبدأت شخصيته الأخرى بالظهور بعدما دخل السجن لأول مرة لعلاقاته الضالة، وبعد خروجه أصبح شخصاً آخر تعامل معي ومع أبنائي بكل قسوة". ولم يتوقف بطش زوجها الثاني عليها بل وصل إلى أطفاله؛ حيث أضافت "رفض علاج خالد، وخلال 8 سنوات هي عمر زواجنا عذَّبه وقام بضربه مراراً وتكراراً بسبب مرضه"، مشيرة إلى أن طفلها مصاب بكسل في القولون، ما أدى إلى أن يفقد الطفل تحكمه بخروج الفضلات من جسمه، وكان والده يقوم بضربه دون مراعاة لمرضه في الشارع وفي البيت وأمام إخوته وأمام زوجته الأخرى". وأضافت "عندما ذهبنا به للأطباء بعد معاناة أخبروني أن تأخرنا في العلاج سبَّب ضموراً في الخصية، وهو أمر لا يمكن إصلاحه، كما أنه بحاجة لعلاج حقن بوتكس في المثانة وعلاج للقولون". وقالت "هو يرفض ذهابي بطفلي للمستشفى حتى بعد حصولي على الطلاق وعلى حضانة الأطفال، حيث كنت بعد فترة من ولادة خالد قد أنجبت منه ثلاث بنات ، وبسبب رفضه لذهابي للعلاج والمتابعة عند الطبيبة أصبت بسكر الحمل وأمراض أخرى في تلك الفترة". وأوضحت أنه خلال فترة مرضها اكتشفت أن زوجها على علاقة بنساء أخريات خطبهن في بلاد عدة أثناء رحلات سفر يقوم بها، مضيفة "وصلت به الجرأة أن طلب مني أن أكلم سيدة مغربية من أجله وأطلب منها الموافقة على الزواج منه". وقالت "بدأت في تلك الفترة تظهر عليه الأفكار المنحرفة والضالة، وكنت أخاف على أطفالي منه وعلى تشويشه لأذهانهم"، موضحة أنها تعرضت للإهانة والضرب منه بسبب وبدون سبب، فقط من أجل إرضاء ذاته. وأشارت إلى أنه رفض إعطاءها نفقة لها ولأولادها، بل أجبرها على الذهاب مع سائق إحدى زوجاته وشراء حاجياتهم، وأوضحت أن طليقها يحاول بكافة الوسائل الحصول على حضانة أطفاله، برغم أن بناته لم يتجاوزن الرابعة من عمرهن، إلا أنه يسعى إلى تشويه صورتها أمام جميع من يعرفها، قائلة "وصل به الأمر أن طلب من القاضي أن لا أذهب بخالد إلى المستشفى إلا بإذنه، وعندما سألت القاضي قال لي يجب أن تُعْلميه". وأضافت "سألت القاضي ماذا لو رفض أن أقوم بعلاج الطفل؟ فكان رد الشيخ "لا أدري"، كما أنه خلال زيارة الأطفال له تقوم زوجته وأبناؤها بإجبار الفتيات اللواتي لم يتجاوزن الرابعة العمل في المنزل وتنظيف الحمامات". وتصف كيف أن طليقها حاول بشتى الوسائل تشويه سمعتها من خلال إيذائه لها والاتصال بصديقاتها وحثهن على قطع علاقاتهن بها. وقالت "والأدهى أنه مازال يصر على إيذاء خالد بالضرب وبالإهانة أمام الجميع، حتى أصبح خالد غير مبالٍ، وقد يضربه والده ولكن لا يبكي ولا يتكلم، وهو أمر غريب بالنسبة لطفل في عمره"، منوهة إلى أن الأطباء والمشرفين على حالته أوصوا بعمل أشعة مقطعية لدماغه بسبب التشتت الذهني الذي يصاب به، إلا أن والده رافض للأشعة كما يرفض نقله لتعليم مناسب لمن هم في مثل حالته. وأشارت أم عمر إلى أن زوجها رفع عليها قضية من أجل أخذ أطفالها منها وقالت "أب دخل إلى السجن مرتين وكذلك يرفض علاج أطفاله في حال مرضهم ويهينهم، كيف سيكون أميناً عليهم؟!!". وذكرت أن طليقها سعى لاستخراج شهادة من مدرسة خالد تثبت أنه مهمل في دراسته لا بسبب مرضه، ولكن بسبب إهمالها في متابعته، قائلة "عندما دخل إلى السجن المرة الثانية خرج بعدها مرة أخرى، محاولاً الحصول على حضانة الأطفال فقط للانتقام مني بعد أن اقتحم عليَّ البيت بعد أن طلقني، مما دعاني للاتصال بالشرطة لكف شره عني وعن أطفالي". وقالت "هل عليَّ أن أنتظر حتى يتحول أطفالي إلى غصون أخرى؟!! في إشارة إلى قضية الطفلة السعودية "غصون" والبالغة من العمر تسع سنوات والتي قام والدها بضربها بأنبوبة معدنية على ساقيها وضربها عدة مرات بقبضة يده على يدها اليسرى فانكسرت كما رماها بعلبة مملوءة بمادة الكيروسين على وجهها وقام بإحماء ملعقة على البوتاجاز حتى احمرت ثم كواها على كعبها وقام بربطها عدة مرات بسلسلة في احدى نوافذ المنزل ومنعها من الأكل والشرب لمدة ثلاثة أيام وصدمها بالسيارة داخل فناء المنزل . وأضافت أم عمر : "كل ما أطلبه هو أن يوفر علاجاً لخالد وحياة كريمة لأبنائي الآخرين بعيداً عن بطشه وظلمه". وطالبت أم عمر منحها الجنسية بموجب النظام، مشيرة إلى أن زوجها السابق رفض تقديم أوراقها لدى الجهات المختصة للحصول على الجنسية، مفضلاً تهديدها دوماً بإمكانية تسفيرها وإبعادها عن أطفالها. وقالت "كما أناشد وزارة الصحة ممثلة في مستشفى الملك خالد لسرعة علاج ابني وتقديم مواعيد علاجه وفحوصاته المحددة بعد سنة"، مشيرة إلى أن أكبر مشكلة تواجهها مع ابنها خالد كونه في مدرسة أهلية بعيدة عن منزله والفترة التي يقضيها في الخارج طويلة، وهو في حالة مرضية صعبة. وأوضحت أنها حاولت نقله إلى مدرسة قريبة حكومية يكون فترة الدوام فيها أقل، إلا أن والده رفض، بينما كان رد المسؤولين في وزارة التربية والتعليم "ولي أمره أدرى بمصلحته". وتبقى الكثير من مشكلات أم عمر وأطفالها معلقة، فبالرغم من محاولتها للحصول على عمل, إلا أن ما تحصل عليه لا يكفي لدفع إيجار البيت الذي تعيش فيه مع أبنائها، موضحة أنها تناشد وزارة الشؤون الاجتماعية للوقوف على حالتها وتوفير سكن لها".