لأول مرة يغيب الرجل الحديدي وعميد وزراء الخارجية العرب عن مراسم دفن وعزاء ملوك السعودية، وعن استقبال وفود العالم ومن بينهم الرئيس الأمريكي، غير أن هذه المرة جرح جسده وقلبه، فجسده بالمرض، وقلبه بوفاة فقيد الأمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ كان سعود الفيصل أقرب الوزراء وأكثرهم تواصلاً مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان رأيه فاصلاً في كثير من القضايا التي يستشيره الملك الراحل فيها. يحمل "الفيصل" ملف السياسة الخارجية رغم تعب جسده، ولم يفارق الملك عبدالله في جولاته الداخلية والخارجية، إلا أن الأقدار كتبت أن يكون بعيداً وقت وفاته ومبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، فنزف قلبه حزناً لوفاة الملك عبدالله رحمه الله وجسده من ألم المرض.
"سعود الفيصل".. أقدم وزير سعودي، وعميد وزراء خارجية العالم.. تتغير المقاعد في الطاولة الدائرية التي يرأسها ملوك السعودية، وهو محافظ على ذات المقعد، لا يتحدث كثيراً، لكن إن تحدث أوجع بصراحته ورؤيته، تأهيله وخبرته جعلاه رجل الملفات والمواقف داخل السعودية وخارجها اليوم.
يحظى على المستوى الداخلي لدى السعوديين بالإعجاب والفخر، إذا يعتبره الطيف السعودي الشامل الشخصية السعودية الأكثر فخراً والأكثر تغييراً في معادلات ألعاب وحسابات السياسة، فكوّن الوجه القوي للمملكة خارجياً، الذي يتناسب مع حجمها وقيمتها الإسلامية العظمى ووجودها الاقتصادي المؤثر.
ويُعتبر سعود الفيصل المستشار فوق العادة للحكومة داخلياً بما يتناسب مع وجهها الخارجي، فهو صاحب الرأي الأخير، يحمل معه نقطة الفصل في نقاشات مجلس الوزراء، بل وقرارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- كما كان مع سابقيه الراحلين الملك فهد والملك خالد الذين يثقون برأي "الفيصل" ليكون الفصل معه.
هو ذلك الوزير الذي يمكث في طائرته أكثر مما يمكث على كرسيه بوزارة الخارجية، لكنه متابع، بل ومرجع في تدقيق التفاصيل، ويحمل المتاعب لفريقه، الذي يتغير دائماً ويبقى كما هو بذات الاسم المدوي في الحضور والحزم والشفافية الدبلوماسية التي أسس مدرستها منذ أربعين عاماً.
وهو أبرز المؤثرين في السياسة الخارجية لدول الخليج بل والعالم العربي، فمعه انطلق مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، الذي كان يحلم به "الفيصل" اتحاداً من قبل سنوات طويلة، بل وكان أحد صانعي سياسته الاقتصادية الجمعية، وحملها لتكون في عهدة بناة الاقتصاد، ومن ثم شارك مع رجال الدفاع والخارجية لتأسيس قواعد العمل المشترك في الدفاع.
يحمل "الفيصل" في يده اليوم عصا أجبرته ظروف ومهام العمل الصعب على حملها؛ لمساعدة الخطوات الواثقة والعقل الاستراتيجي الذي يمتلكه، ولا يزال الأقوى والأهم في خريطة الدبلوماسية والسياسة ولا يمكن الاستغناء عن مدرسته التي أثبتت مرونتها.