أصرّ المفكر الدكتور عبدالله الغذامي على اتهاماته القاسية التي وجّهها لليبراليين السعوديين، وأنهم بلا برنامج ولا مشروع سياسي، ولا فلسفة، وأنهم مجرد كُتّاب مقالات في الصحف، ومجرد مجموعة أفراد، ولا يوجد لديهم أي فئة أو كتلة في المجتمع، ووصف الغذامي ما قاله د. تركي الحمد بأن "المستقبل مزدهر لليبرالية في السعودية" بأنه مجرد "حكي"، مضيفاً "لستُ كاهناً ولا منجماً لأن أقول ذلك"، ونفى أنه ينتصر لطرف ضد آخر أو تيار ضد تيار آخر، وقال "أنا مفكر مستقل، ولست مسؤولاً أن يتبنى كلامي فئة ضد أخرى". وردّ على مَنْ يقولون إن كلامه ضد الليبرالية السعودية، ويُستخدم في مواجهة دعاة الإصلاح، وقال: لا يمكن أن يوصف كل ناقد بأنه ضد دعاة الإصلاح، وأن نرفع راية الحرب ضده، لسنا في مضاربة ولا مبارزة، بل أنا أقدم قراءة نقدية. وأضاف: للأسف لم أجد من يطلقون عليهم أنهم ليبراليون. وتهكم "الغذامي" على أحد الكُتّاب الليبراليين عندما طالبه بعرض نفسه على طبيب نفسي، وقال: "لا مانع أن أعرض نفسي على طبيب نفسي، ولكن السؤال هل هذا الكاتب يمثل الليبراليين السعوديين؟". جاء ذلك في حلقة "البيان التالي" التي بُثّت بعد ظهر اليوم على قناة "دليل"، واستضاف فيها عبدالعزيز قاسم مقدم البرنامج الدكتور عبدالله الغذامي، ودارت حول الليبراليين السعوديين، والاتهامات القاسية التي وجهها "الغذامي" لهم في محاضرته بكلية الآداب جامعة الملك سعود. وقد طرح في بداية الحلقة استفتاء حول حقيقة الليبراليين السعوديين، وجاء على الوجه الآتي "لا يوجد في السعودية ليبراليون حقيقيون، إنما جلهم انتهازيون وإعلاميون مستقلون"، وقالت الأغلبية الساحقة ممن شاركوا في الاستفتاء "نعم"؛ حيث قال 89% ممن شاركوا في الاستفتاء "نعم لا يوجد في السعودية ليبراليون حقيقيون، إنما جلهم انتهازيون وإعلاميون مستقلون"، في حين قال 10% فقط "لا"، و1% قالوا "لا ندري". وقد شهدت الحلقة مداخلة ساخنة من كل من د. محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السابق، الذي قال إنه "ليبرالي"، وكذلك اعتراف الكاتب عبدالرحمن الوابلي بليبراليته، وأنه كان يخفيها من قبل، ولكنه الآن يعلنها صراحة، كما شهدت هجوماً عنيفاً من الدكتور محسن العواجي على من أسماهم ب"المتطرفين الليبراليين"، ووصفهم بأنهم أشد عداء من كفار قريش؛ فهم الذين يتبعون اللوبي المتصهين الذي سخّر نفسه في خدمة الصهيونية، وقال إنهم مثل "فيروس الإيدز"، وأشاد بالليبراليين العقلاء، وقال "هؤلاء نحترمهم ونقدرهم وإن اختلفنا معهم"، وطالب باعتذار علني من الدكتور آل زلفة عن قوله إن المملكة تأسست على الليبرالية، وقال: لقد مس آل زلفة الهوية الوطنية للمملكة التي قامت على أساس التوحيد، وتطبيق شرع الله، وعليه أن يعتذر عن ذلك. وغاب عن الحلقة د. معجب الزهراني الذي كان من المفترض أن يتداخل فيها. بدأت الحلقة بإصرار د. عبد الله الغذامي على اتهاماته لليبراليين السعوديين بأنهم شرذمة بلا مشروع سياسي، ولا خطاب واضح، ولا فلسفة ولا رؤية، وأنهم مجرد كتبة مقالات في الصحف، يحترمهم ويقرأ لهم، ولكن لا علاقة لهم بالليبرالية الفلسفية ولا مفاهيمها ولا ركائزها، وممارستهم نقيض لليبرالية كما نعرفها جميعاً منذ ثلاثة قرون. ونفى أن يكون كلامه جاء في توقيت خاص أو مقصود، بل قال إنها محاضرة "وعدتُ د. عبد العزيز الزهراني بأن ألقيها ضمن برنامج (تواصل) بكلية الآداب جامعة الملك سعود"، وإنه بصدد إصدار كتاب عن الوسطية. وقال "الوسطية أعطتني مجالاً لقراءة النص ونقده"، ولكن لم أجد نصوص أحللها لليبراليين السعوديين، بل اعتمدت على اثنين من الباحثين المستقلين غير المنحازين لأي تيار، وطلبت منهما الإجابة عن ثلاثة أسئلة: من هو الليبرالي؟ هل يقول الآخرون إنه ليبرالي؟ هل يتمثل صفات الليبرالية؟ ولم نجد من يقول إنه ليبرالي، ولا كتلة اسمها الليبرالية، وكل ما وجدناه "الشبكة الليبرالية" على الإنترنت، ولم نجد سوى اثنين أو ثلاثة يقولون إنهم ليبراليون سعوديون، بل دائماً هؤلاء الكتاب يصدرون عبارة "لست ليبرالياً ولكن....". وتساءل الدكتور الغذامي قائلاً: كيف أتعامل مع أشخاص لا يسمون أنفسهم ليبراليين؟ فكل من نحاول الخوض في حديث معه وعنه يقول إنه "ليس ليبرالياً"؛ ومن ثم لا أتعامل إلا مع "شبكة الليبراليين"؛ فهم ينكرون عن أنفسهم الليبرالية. وتساءل: أين هي الليبرالية التي يقولون إنها فلسفة حياة؟ لا يوجد في المملكة ليبرالية فلسفية ولا ليبرالية سياسية، بل توجد ليبرالية اقتصادية وأصحابها لا يقولون إنهم ليبراليون، ويوجد كتبة مقالات صحفية، ولكن بلا فلسفة ولا برنامج سياسي، ولا مشروع "مجموعة كتاب مقالات فقط لا غير". ورد الغذامي على وصفه بأنه عندما ينتقد الليبراليين يهاجم دعاة الإصلاح، ونفى ذلك وقال: "هؤلاء يريدوننا ألا نتكلم ولا ننقدهم، وهم لا يقبلون النقد، والجميع ينشدون الإصلاح، وليس هم فقط". مؤكداً أنهم لا يريدون من ينتقدهم، ويحاربونه ويتهمونه بكل شيء من كاذب إلى مخرف إلى مطلوب عرضه على طبيب نفسي.. مضيفاً "إننا لسنا في حرب ولا مبارزة، ولا مضاربة، بل أنا أقدم قراءة نقدية، قراءة معرفية". ووصفهم بأنهم "نسقيون" و"لا يقيمون تغييراً". وأشار إلى أن الدعوة للإصلاح يشترك فيها كل البشر، من كل الألوان والتيارات والمذاهب، وليست حكراً على أحد ولا على تيار معين. وتهكم د. الغذامي على من يدعي من الليبراليين أن 100% من السعوديات يعارضون هجومه على الليبرالية، وقال: لم نسمع بنسبة 100% إلا لصدام حسين، ومن يقول بهذه النسبة يكون كاذباً. مضيفاً "للأسف كل ما هو وطني يحاول الليبراليون أن ينسبوه لأنفسهم، وكل مكاسب تتحقق يريدون نسبها لأنفسهم، وهذا غير صحيح". وقال "هم يريدون شماغاً يلبسونه. حتى قيادة المرأة للسيارة التي يزعمون أنهم أول من نادى بها فإن كُتّاباً سعوديين نادوا بها قبل 45 سنة". ووصف الغذامي الليبراليين السعوديين بأنهم "سرقة إنجازات". مضيفاً "نحن نعرف في التاريخ لصوص الثورات ولصوص الأفكار ولصوص الجمال.. والآن نجد لصوص الإنجازات". وفي مداخلة للدكتور محمد آل زلفة اعترض على وصف "الغذامي" لليبراليين بالسذج والمشوشين والمتناقضين، وأنهم بلا مشروع، وقال "من الظلم أن يتهمون بهذه الاتهامات، وأعتبر الليبراليين هم الفئة التي تدعو إلى الإصلاح والتغيير، ولا يمكن أن نتهمها بهذه الاتهامات". مضيفاً "لا يمكن أن نتهم هذه الفئة بالعبثية". ودافع آل زلفة على من يكتبون في الصحف ومن ينتقدون الممارسات التي لا تتفق مع العقل أو الدين، سواء كانوا من الهيئة أو من أي جهة أخرى تقوم بممارسات خاطئة. واعتبر "آل زلفة" الدعوى إلى محاربة الليبرالية هي دعوة لمحاربة دعاة الإصلاح، وأن هجوم د. الغذامي على الليبراليين مكّن أعداء الإصلاح من الهجوم عليهم بأنهم أصحاب سهرات وغيرها. وقال د. محمد آل زلفة إنه ليبرالي إذا كانت الليبرالية هي الدعوة للإصلاح، وكفالة حقوق التعبير، وحقوق الإنسان وكرامته "فأنا أشهد، وليسمعني الجميع، بأنني ليبرالي". واعتبر الدولة السعودية منذ تأسيسها دولة ليبرالية. وعلى النسق نفسه دافع الكاتب عبد الرحمن الوابلي عن الليبرالية، وقال "أنا كنت لا أحبذ أن يقول أحد عني ليبرالي، وهذا شرف لا أدعيه، وهذا كان جُبْناً، وبعد إلحاح علي بدأت أعلن وأقول أنا ليبرالي، والليبرالية نستحق أن نمارسها ونتبناها كتابة وفكراً وسلوكاً". ونفى استقواء الليبراليين بالخارج، وقال: "ليس ذنبنا أن تدافع عنا منظمات وهيئات حقوقية غربية وعالمية، وليس ذنبنا أن الآخرين يأتون لمساعدة الليبراليين السعوديين". وفي المقابل شنّ الدكتور محسن العواجي هجوماً عنيفاً على الليبراليين السعوديين، خاصة الفريق الليبرالي الذي يسير خلف اللوبي اليميني المتصهين، ومن يتطاولون على الإسلام وثوابت الدين، ويسبون الله والرسول، وقال العواجي: "خلافنا مع الليبراليين ليس شخصياً، ولا نحن في مباراة كرة قدم، نحن في خصومة مع هذا التيار المتطرف أشبه بخصومة المسلمين مع كفار قريش". مضيفاً أن أحفاد الليبرالية المتصهينة هم صهيونيون. وأثنى "العواجي" على من أسماهم ب"الليبراليين العقلاء المخلصين"، وقال: نحن في خصومة شريفة معهم. وأثنى "العواجي" على الدكتور الغذامي وأطروحاته عن الليبراليين السعوديين، وطالب د. آل زلفة بالاعتذار العلني للشعب السعودي كله وقيادته لما بدر منه وزعمه أن الدولة السعودية منذ تأسيسها دولة ليبرالية، وقال: لقد مسّ هذا الكلام هويتنا الوطنية؛ وعليه أن يعتذر. مستنكراً القول إن السعودية قامت وأُسست على الليبرالية كما قال "آل زلفة".