انطلقت فكرة "كرسي الحوار بين الحضارات" لتأكيد نهج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، المتمثل في ضرورة تبني الحوار لتعزيز أواصر التفاهم والتقارب بين الأمم والشعوب؛ حيث جاءت الفكرة لتكون ثمرة للتعاون القائم بين "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" بالرياض، و"جامعة باريس1 السوربون- بانيتون". وتبلورت فكرة كرسي حوار الحضارات في ظل توصيات الدورة الثانية للندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات التي نظمتها وزارة التعليم العالي السعودية، في رحاب جامعة السوربون عام 2010، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ورئيس الجمهورية الفرنسية. وقد دشن أنشطة "الكرسي" العلمية حينها وزير التعليم العالي السابق الدكتور خالد بن محمد العنقري؛ حيث كان لوزارة التعليم العالي دورٌ كبيرٌ في قيام هذه الشراكة التي تُوجت بالتوقيع مع جامعة السوربون بتاريخ 6 يناير 2011 في مقر الوزارة في العاصمة الرياض.
ويهدف كرسي حوار الحضارات، إلى وضع الأسس المتينة لنشاط مؤسسي يسعى إلى تفعيل التبادل المعرفي والحوار الموضوعي، وفق أرقى المستويات بين المؤسسات الأكاديمية والعلمية والثقافية، بين شعوب الشرق والغرب عامة والجامعات والمراكز البحثية السعودية والفرنسية خاصة.
واشتملت مذكرة التفاهم الخاصة بكرسي حوار الحضارات، على خطة عمل تمتد لمدة ثلاث سنوات بدأت من تاريخ اعتماده وتوقيع عقد إنشائه بمقر وزارة التعليم العالي بتاريخ 3 من صفر 1432ه، الموافق 8 يناير 2011، بين مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ دكتور عبدالله أبا الخيل، وقتها، ورئيس جامعة السوربون باريس1، البروفيسور "سور جان كلود كوليار"، على أن يتم تجديد عمل الكرسي بناء على توصيات اللجان العلمية والإشرافية بذلك وموافقة الوزارة.
وجاءت فكرة الكرسي لتواكب واقع الأحداث والانعكاسات السياسية والدينية والثقافية للأوضاع الدولية الراهنة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، على واقع ومستقبل الحوار والتفاهم بين الشرق والغرب بشكل عام، وما يتطلبة ذلك من تطوير القدرات البحثية للجامعات ومراكز البحث العلمي؛ بغية خدمة المجتمع والقيام بالأدوار والوظائف الثقافية والاجتماعية.
وحرص المسؤولون عن تطبيق الفكرة على مراعاة التطور الملحوظ في مستوى تعرض الشعوب المعاصرة للكثير من الرسائل والوسائل الاتصالية، عبر الإنترنت وقنوات التليفزيون الفضائي، وغيرهما من تقنيات الاتصال الحديثة التي تحمل قيماً وأفكاراً متعددة ذات علاقة بتكوين الصور الذهنية المتبادلة بين الشعوب.
واستندت فكرة الكرسي إلى الثراء الكبير في الرصيد التاريخي والمعرفي للعلاقات الفرنسية والتجارب التاريخية المهمة التي يمكنها أن تمثل أسساً معرفية مهمة لبناء وتطوير أسس حديثة للحوار بين الثقافتين؛ الفرنسية من جانب، والعربية الإسلامية من جانب آخر.
وكان الهدف هو دعم فرص التعاون والتفاهم المشترك حول الكثير من القضايا والموضوعات الثقافية والاجتماعية؛ نظراً لوجود قاعدة عامة في كلٍّ من: جامعة الإمام، وجامعة السوربون باريس1، تتمثل في الخبرة المتراكمة في العلوم الإنسانية بشكل عام، وفي دراسات الاتصال الإنساني بشكل خاص، ولاسيما أنماط الاتصال الثقافي والحضاري وبرامج الصورة الذهنية التي اكتسبها أعضاء هيئة التدريس في الجامعتين؛ من خلال أبحاثهم النظرية ومشاركاتهم المهنية في تطوير أداء عدد من المؤسسات الحكومية والأهلية العاملة في مجال الاتصال الإنساني. وتقرر تكوين فريق عمل مشترك للتأطير العلمي لبرامج ومشروعات الحوار الحضاري بين الأمم؛ تنفيذاً لتوصيات الندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات التي تسعى لترسيخ وإشاعة ثقافة التفاهم والحوار العالميين ونبذ العنف والصراع.
وجاء مقترح تدشين هذا الكرسي من أجل إتاحة بيئة بحثية وتعليمية لدراسة وتفعيل قيم الحوار الحضاري وتاريخه ومنهجياته وطرقه وأساليبه ووسائل إشاعته بين الشعوب في المستويات العلمية والمهنية والجماهيرية؛ ولذلك أنشأت وزارة التعليم العالي "كرسي حوار الحضارات" بالشراكة بين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وجامعة السوربون باريس1.
ويكتسب كرسي حوار الحضارات أهمية خاصة من جانبين؛ أحدهما يتصل بضرورة إيجاد شراكة علمية قادرة على دراسة موضوعات حوار الحضارات وتاريخه، بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وبين فرنسا والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، ويتصل الجانب الثاني بأهمية المؤسستين الأكاديميتين ذاتهما؛ جامعة الإمام وجامعة السوربون باريس1، في مجال خدمة قضايا وموضوعات الثقافتين العربية والفرنسية خلال عقود من الزمن، عبر تنظيم المؤتمرات وإجراء الدراسات والبحوث، وإتاحة البرامج التعليمية الجامعية والعليا.
وسعى الكرسي من خلال السعي لتحقيق أهدافه العامة؛ إلى توفير البيئة الملائمة للبحث في مجال حوار الحضارات والمعرفة بتاريخه، بما يدعم العلاقة بين شعوب العالم، وبخاصة الشعبين الصديقين في المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، إضافة إلى ربط مخرجات البحث العلمي في الجامعتين بحاجات المجتمعين الصديقين؛ من خلال إيجاد بيئة تقوم على الشراكة بين الجامعتين والمؤسسات الحكومية والأهلية وغير الربحية في البلدين، عبر التركيز على قضايا وموضوعات الحوار الثقافي بين الشعوب.
ويركز الكرسي على دعم المعرفة المتخصصة في مجال دراسات الاتصال الثقافي، وحوار الحضارات وتاريخه وتطوير الممارسات التطبيقية في هذا المجال، وتكوين جيل الباحثين الشباب المتخصصين في هذا المجال، وتوفير المصادر المالية اللازمة لدعم البحث العلمي في الجامعتين في مجال حوار الحضارات ودراسة تاريخه، وتوفير السبل الداعمة لاستقطاب وتدريب العقول المبدعة، والكفاءات المتميزة في مجال حوار الحضارات على المستوى الدولي.
ويعمل الكرسي على إثراء المكانة العلمية والبحثية للجامعتين على المستوى العالمي في مجال حوار الحضارات ودراسة تاريخه، وتشجيع العلماء والباحثين، ولاسيما الباحثين الشباب؛ السعوديين والفرنسيين؛ على الإسهام في الحضارة الإنسانية المعاصرة.