يعتبر جبل التوباد، الذي يقع بمحافظة الأفلاج (300كم جنوبالرياض)، من أبرز الآثار المهمة في السعودية، ويزوره سنوياً أكثر من (1500) زائر عربي وأجنبي. ورغم أهميته التاريخية كحاضن لقصة الحب الشهيرة التي ربطت (قيس بن الملوح ب "ليلى" العامرية) إلا أن قصة الحب التي سطرها المحبوبون على ضفاف هذا الجبل أصبحت بمنزلة الحب الحي بمكان ميت، وذلك بعد أن طالته يد العابثين من الشباب والمراهقين، وظل مهدداً بالاندثار، ويعاني قلة الخدمات واهتمام المسؤولين به. وجبل التوباد يقع على ضفاف وادي قرية الغيل (40 كم غرب المحافظة)، وهو عبارة عن جبل متدرج، سهل الصعود، يرتفع نحو 20 متراً من باطن الوادي، ويمتد طوله قرابة 100 متر. وقد عاش المحبوبون على قمة جبل التوباد، وكان قيس أكبر من "ليلى" بأربعة أعوام، وقد رعيا الغنم عندما كانا صغيرَيْن على ضفاف الجبل، وخلدا ذكره في نفوس العشاق، وجعلوه رمزاً لقصة الحب بينهم، وقد ذكره قيس بأبيات شعرية بعد عودته من إحدى سفرياته قائلاً:
وأجهشت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني
ويقع في منتصف الجبل غار صغير، يسمى غار (قيس وليلى)، بمساحة لا تتجاوز ثلاثة أمتار، ويقال إن العاشقين كان يجلسان فيه، ويتبادلان الشعر والغرام.
وقد رفض والد ليلى زواجها من قيس لتطرقه لها بقصائده، حتى تناولها الناس وشاع خبر حبهما، وكان ذلك عاراً في عرف العرب أن تتزوج المرأة رجلاً قصد بها شعراً، فما كان من والد ليلى إلا حرمانهما من الزواج ورؤية بعضهما، فقال قيس قصيدته التي أطلق عليها قصيدة الهيام:
كيف السبيل إلى ليلى وقد حجبت عهدي بها زمنا ما دونها حجب
وقيل إن قيساً بعد أن حُجب من رؤية ليلى لمدة طويلة أخذ يلتمس لها، وبعد أن علم بخلو حي ليلى من القوم ذهب وقابلها في إحدى الليالي، وانزاح عنه الهم والحزن، وأخذ يكرر زيارته لها، فبينما هما على تلك الحال بلغهما الخبر بقدوم القوم الذين منعوا قيس من دخول حي ليلى، فكانت تلك الليلة هي آخر اجتماع لهما؛ وودعها وودعته، وخرج قيس هائماً حزيناً، ولما وصل للجبل اختفى فيه عن الأنظار خوفاً من القوم ووالد ليلى الذي هدده، وأنشد قيس هذه القصيدة ومنها:
تمتع بليلى إنما أنت هامة من الهام يدنو كل يوم حمامها تمتع إلى أن يرجع الركب إنهم متى يرجعوا يحرم عليك كلامها
وتقدم والد ليلى بشكوى إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، ورفع إليه ما صدر من قيس في ذلك الشأن؛ فأمر الخليفة بإهدار دمه إن زار ابنته مرة أخرى، وأنشد قيس قائلاً:
فأن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها علي فلن تحموا علي القوافيا
وقيل إن (ليلى) تقدم لخطبتها رجل من ثقيف، يدعى ورد بن محمد العقيلي، وبذل لها عشراً من الإبل ومعها الراعي، فاغتنم والد ليلى الفرصة، وزوجها بهذا الرجل رغماً عنها. ورحلت ليلى مع زوجها إلى الطائف بعيداً عن حبيبها قيس، وكان حينما تقدم لها الخطبان قال أهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ثم دخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري وردا لنمثلن بك، فاختارت وردا، وتزوجته رغماً عنها.
وقيل إن قيساً ذهب إلى «ورد» زوج ليلى في يوم شات شديد البرودة، وكان جالساً مع كبار قومه، وأوقدوا النار للتدفئة، فأنشده قيس قائلاً:
بربك هل ضممت إليك ليلي قبيل الصبح أو قبلت فاها
فقال له ورد: أما إذ حلفتني فنعم. فقبض المجنون بكلتا يديه على النار، ولم يتركها حتى سقط مغشياً عليه.
● وفاة مجنون ليلى هام قيس على وجهه في البراري والقفار، ينشد الشعر والقصيد، ويأنس بالوحوش، ويتغنى بحبه العذري بمحبوبته «ليلى»، فيُرى حيناً في الشام، وحيناً في نجد، وحيناً في أطراف الحجاز، إلى أن وُجد متوفى سنة 688م وهو ملقى بين الأحجار بوادي كثير الحصى، ووجدوا بيتين من الشعر عند رأسه خطهما بيده، قائلاً فيهما:
توسد أحجار المهامة والقفر ومات جريح القلب مندمل الصدر فيا ليت هذا الحب يعشق مرة فيعرف ما يلقى المحب من الهجر
● قالوا عن الجبل: وفي ذلك تحدث ل"سبق" لاحم بن خريزان القبابنة، رئيس مركز قرية الغيل، التي يقع بها جبل التوباد، وقال: «الجبل يعتبر رمزاً من الرموز الأثرية الشاهقة في الأفلاج، وموقعاً لامعاً في الجزيرة العربية، ومكاناً يدل على أن السعودية بلد يكتنف أحداثاً وتاريخاً قديماً، ولكن الأمر الذي يتعجب منه الجميع هو ضعف الاهتمام الإعلامي والسياحي بتراثنا الوطني الذي يحتاج إلى بعض العناية؛ لكي يكون موقعاً سياحياً مميزاً".
وقال المدير العام للعلاقات العامة بالأمانة العامة بمجلس الوزراء، الدكتور ناصر بن عبدالله الخرعان: لا شك أن جبل التوباد مَعلم من المعالم السياحية بالسعودية، ولاسيما أنه أخذ شهرة عالمية. وما يثير الاستغراب أنه لم يأخذ اهتماماً كثيراً كشهرته؛ فقد كان طي النسيان الذي يكاد يندثر معه.
وتابع: كنت قد اقترحت قبل فترة على أحد المسؤولين في الأفلاج أن تقام أمسية أدبية ثقافية، يشارك فيها نخبة من الأدباء والمثقفين والدارسين لقصة من قصص العشق العذري، وسيكون في ذلك إثراء للذوق العام، وتحريك للركود الأدبي والثقافي، وستكون خطوة إيجابية من خطوات التعريف الإعلامي والسياحي بمحافظة الأفلاج ومراكزها وقراها.. وأرى أن تتولى هيئة السياحة والآثار هذا الجبل، وتجعل منه مَعلماً سياحياً، يأتي إليه السائحون من كل صوب، ويُفعّل ثقافياً وأدبياً؛ حتى يكون رمزاً يشار إليه بالبنان.
وأضاف فرحان العرفج قائلاً: يعتبر جبل التوباد أحد أهم الموارد الرئيسة للسياحة الثقافية بالأفلاج، خاصة إذا لقيا عناية واهتماماً من الجهة المسؤولة عن الآثار، ويمكن الاستفادة منه اقتصادياً للسياح والمهتمين بالآثار القديمة. مطالباً المسؤولين بتهيئة الطرق المؤدية له، وسفلتتها، وكتابة القصة وتاريخها على لوحات تعريفية للزائر.
من جانبه، كشف رئيس بلدية محافظة الأفلاج، المهندس سليمان بن عبدالله العايد، أنه تم تخصيص مبلغ 6 ملايين ريال لتحسين وتطوير جبل التوباد وتحويله لمنطقة سياحية، مشيراً إلى أنه تم تسليم المشروع لمكتب هندسي تم التعاقد معه عن طريق وكالة أمانة منطقة الرياض، لدراسة المخططات الخاصة ب "الجبل".
وبدوره، أوضح الدكتور عبدالرحمن الزهراني، سكرتير لجنة التنمية السياحية بمحافظة الافلاج، أنه تم استدعاء فريق عمل من الهيئة العامة للسياحة والآثار لرفع الرسوم المساحية إيذاناً بالبدء في تأهيل الجبل بالمشروع الذي خُصص له من قِبل بلدية محافظة الأفلاج، مطالباً بسرعة التنفيذ للعمل لتحسين وتأهيل جبل التوباد بأسرع وقت، للاستفادة منه كمَعلم أثري شهير بالمحافظة.