أكدت ندوة "العمل الإعلامي الخيري- آمال وتطلعات" التي جرت ضمن برامج اليوم الثاني في ملتقى جمعيات القصيم الخيرية الثالث، والذي اختُتمت فعالياته، أمس الأربعاء في محافظة الرس، انعكاس الدور الإعلامي على نِسَب نجاح أهداف الجمعيات الخيرية؛ مؤكدة أهمية ارتباط الجمعيات الخيرية مع الإعلام. وقارنت بين حيوية الإعلام الغربي في دعم الجمعيات الخيرية؛ قياساً بحال الإعلام العربي مع جمعياته الخيرية.
وانتقد المحاضرون الثلاثة في الندوة، وأولهم: الدكتور فهد السنيدي، إضافة للدكتور إسماعيل النزاري، والدكتور إبراهيم الدويش، النمط الإعلامي للأعمال الخيرية في جانبيْ (الكم أو الكيف).
وقال "السنيدي": مَن ليس له علاقة بالإعلام؛ فإن تأثيره ضعيف للغاية.
الدعوات التنصيرية أشار الدكتور فهد السنيدي إلى الجهود الإعلامية من المسيحيين في التنصير، وقال: "مليارات الساعات لدعوات تطوعية تنصيرية، ستجدونها عبر موقع "يوتيوب"، ولكم أن تتخيلوا آلاف المواقع الإلكترونية التطوعية التنصيرية، وهناك جامعات متخصصة تعمل على ذلك".
وتساءل "السنيدي": "أين نحن إعلامياً من العمل الخيري التطوعي؟"، واستفسر أيضاً: "كيف يمكن لنا أن نؤثر؟". ثروات العرب أشار فهد السنيدي إلى الأعداد الهائلة للخليجين في قائمة أثرياء العالم؛ لافتاً إلى وجود 80 ألف سعودي و59 ألف إماراتي بين ثمانية ملايين وسبعمائة ألف في العالم، ثروتهم تفوق ال 33 تريليون دولار.
وقال: "انظروا إلى نِسَب العرب فيهم، لو أدى أولئك زكاة أموالهم فقط لغطوْا جميع الفقراء في العالم الإسلامي، ليس في السعودية فحسب؛ بل في العالم الإسلامي، وتلك إحصائية دولية عالمية".
وعاد "السنيدي" ليتساءل: "أين دور هؤلاء؟ وأين دور الإعلام في الوصول إليهم أو إقناعهم بما يجب أن يقوموا به؟".
ثم ما لبث أن أجاب عن استفساراته، قائلاً: "سأتحدث عن العلاقة بكل وضوح؛ فلدينا ثنائية واضحة في التقصير من الإعلام والعمل الخيري، ومن الواقع الضعيف لمؤسسات العمل الخيري الضعيف؛ فجل جمعيات البر والعمل الخيري لا تفرق في ماهية العمل الذي تقدمه أهو "منتج أم خدمة"؛ لأن الإعلان التجاري منتج، والمنتج يصاغ بطريقة إعلانية تؤسس له (كالجبن والعصير والبسكوت وفرش الأسنان وما شابه)، وأي جمعية خيرية تقدم عملها على أنه "منتج"؛ فهي مخطئة، وينبغي أن تعيد صياغتها الإعلامية في ذلك.
شهادة الأيزو ووجّه "السنيدي" سؤالاً لحضور الندوة في قاعة "مودة" بالرس: "ما هي الجمعيات التي حازت على شهادة الأيزو العالمية؟".
وأضاف شارحاً: "بالطبع لا توجد؛ لأن إنفاق جمعية البر لما يقارب المائتي ألف ريال في سبيل الحصول على شهادة الأيزو، سيدفعنا لإعادة التساؤل: هل ذاك منتج أم خدمة؟ فهل سيسأل التاجر في الرس عن شهادة الأيزو قبل تبرعه؟ أما أنا كإعلامي فلست أهتم بحصولك على شهادة الأيزو؛ فالمنتج يراعي المخاطب؛ بينما لا تجب على الخدمة مراعاة المخاطب.
التأثير بالقدوة وتطرّق فهد السنيدي إلى التأثير بالقدوة إعلامياً؛ مشيراً إلى شهرة عبدالرحمن السميط (الداعية الكويتي والناشط في العمل الخيري)، وقال: "سأتكلم بمنظور إعلامي، وأسألكم: لماذا في مجتمعاتنا يغيب نموذج القدوة الإعلامي الخيري؛ لأنهم يبررون ندرتهم للرغبة في إخفاء أعمالهم. وأقول لأولئك من وجهة نظر إعلامية: (أنتم مخطئون). وجميعنا يعرف الحديث الشريف (مَن سن في الإسلام سنة حسنة...إلخ)، ولقد وجدت أن إبراز النموذج في الخير إعلامياً، يُحدث أكبر التأثير في الإعلام؛ فهل سيؤثر عبدالرحمن السميط إن جلس في بيته وعمل بخفاء؟ ومن مشاكلنا الإعلامية في إبراز العمل الخيري غياب القدوة، وأذكر امرأة أجرت "وقفاً" قبل سنة أو يزيد، بمبلغ نصف مليار ريال، وعلى الرغم من ذلك يقال إن تأثير ذلك الموقف لا يُعد ولا يُحصى حتى اللحظة، والسبب في ذلك: أن علاقة الوسيط غائبة. ولا بد أن يبرز الوسيط بين المحتاج والمتبرع (الجمعية)، وهو غائب لدينا؛ بينما تقام شركات ضخمة للغاية في بلدان الغرب تحت مسمى شركات "وسيط"، ولقد زرت بعضها.
نظرة التخوين قال "السنيدي": إن "الإعلام خوّن العمل الخيري"، وأضاف: "ذلك دور مارسه الإعلام العربي في تخوين العمل الخيري في المجتمع، وبالذات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر".
صنع النجوم وأشار "السنيدي" إلى صناعة الإعلام الغربي المذهلة للنجوم، وقال: "التبرع الإعلامي يعتمد على صنع النجوم، وفي الغرب يتجهون لأشهر مطرب لديهم ويتفقون معه على أن يزور الجمعية لصنع إعلان بسيط؛ على أساس أن ذلك من واجبه؛ فتنهال عليهم التبرعات.. وفي رأيي أن يجري مثل نفس العمل في الإطار المقبول؛ بما يعني أن يحدث ذلك مع النجم المقبول، أما النجم الصارخ وغير المقبول فلا نرحب به. وهناك ممثل سعودي (لا أود ذكر اسمه) أسهم بشكل فاعل في أعمال البر؛ وذلك طرح إعلامي لا علاقة له بأي جانب شرعي".
الحال المؤسف من ناحيته، أبدى الدكتور إبراهيم الدويش (مدرب معتمد وخطيب معروف) استياءه من الجانب الإعلامي للجمعيات الخيرية.
وأكد ضرورة التأثير الإعلامي، وقال: "أرجو أن نستشعر العمل الإعلامي الخيري؛ فلغة الأرقام صادقة أو غالباً تكون كذلك، وفي السابق كان دور الإعلام في نقل الأحداث والفعاليات بالصوت والصورة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهذا هو واقع الإعلام الخيري.
أما خلال السنوات الأخيرة فنجد الإعلام يجري صياغة تصورات جديدة؛ لأن العمل الإعلامي الخيري يتحقق في الأفراد أكثر مما يتحقق في الجمعيات".
شواهد الضعف الإعلامي كشف إبراهيم الدويش، العلاقة الطردية بين الإعلام للجمعيات والتبرعات لصالح مستفيديها، وقال: "تلك حقيقة شجاعة؛ فكلما زاد حجم الإنفاق على العمل الإعلامي المنظم، زاد حجم التبرعات والدخل للجمعية؛ وذلك يحتاج لقلب شجاع وجريء".
وأشار "الدويش" إلى ضعف محتوى المواقع الإلكترونية للجمعيات الخيرية وبطء تحديثها، قائلاً: "داخل موقع أي جمعية ستجد آخر خبر منذ فترة طويلة، وأعترف بوجود قسم علاقات عامة وإعلام أو مركز إعلامي في كل جمعية خيرية؛ لكن القليل منها مفعل بصورة مثالية تحت إشراف إعلاميين متخصصين أو أصحاب شهادات تتصل بذلك الجانب".
وأضاف: "الدراسات الميدانية، تؤكد أن معظم الجمعيات تضع ميزانيات قليلة في العمل الإعلامي، تتراوح من ألف إلى خمسين ألف ريال، وهناك جمعيات قليلة لا تضع أي ميزانية للجانب الإعلامي، وأوضحت دراسة أن 8% من هذه الجمعيات تتراوح ميزانيتها من خمسين ألف إلى مائة ألف ريال، ونسبة ضئيلة تتزايد إلى مليون ريال. وتعتمد 97% من الجمعيات على وسائل الإعلام المطبوعة، وكشفت دراسة حديثة عن الحاجة إلى تدريب موظفي العلاقات العامة والإعلام في الجمعيات الخيرية؛ فمنهم 92% لم يتلقَ أي دورة إطلاقاً في هذا المجال، وهذه نسبة خطيرة جداً؛ فكيف يعطي وهو لم يتدرب أساساً؟!".
مقارنة الميزانيات استعرض إبراهيم الدويش جدولاً يكشف الميزانيات الإعلامية لبعض المؤسسات، وقال: "تلك مؤسسة دعوية ميزانيتها 250 مليون؛ مما يعني أن من المفترض أن تكون في وضع إعلامي جيد؛ لكن ميزانيتها للإعلام لا تتخطى حاجز ال 500 ألف ريال".
أما تلك فمؤسسة إغاثية تخصص من حسابها البالغ 42 مليون ريال، ثلاثة ملايين ريال للإعلام.
ولاحظوا أن المؤسسات الإغاثية أكثر جرأة من المؤسسات الدعوية في وضع ميزانية أعلى للإعلام؛ وحتى نسبة عدد العاملين الإعلاميين في الجمعيات ضئيل؛ في المقابل يشغل الإعلاميون في العالم الغربي نسبة أكبر؛ حتى الإعلام الجديد لا نجد أن الجمعيات تعتني به برغم تأثيره الكبير.
التخطيط الإعلامي قال الدكتور إسماعيل النزاري: "هناك -أحبتي- أكثر من 650 جمعية خيرية في السعودية، وواقع هذه الجمعيات يئن بكثير من المشكلات الإدارية والتنظيمية والتسويقية؛ ومنها المشكلات الإعلامية، وهذا التخطيط يهدف إلى الوصول للجماهير المستهدفة من الجمعيات الخيرية -سواء داعمين أو جماهير متنوعة- بأقل تكاليف وبأفضل الوسائل وبأقل قدر من التكاليف المادية.
كعكة الخير وأضاف "النزاري": "في كل منطقة سعودية كعكة للعمل الخيري، وهي إجمالي المبالغ المالية الضخمة الكبيرة التي تدخل ميزانية تلك الجمعيات، وفي منطقة القصيم على سبيل المثال، يعتقد بأن إجمالي التبرعات في العام الماضي وصلت إلى 300 مليون ريال؛ فما نصيب كل جمعية من تلك الكعكعة؟ وكم نسبة التبرعات التي نجحت بالوصول إليها؟".
في العمل الإعلامي أول ما نهدف إليه هو بناء سمعة حسنة وطيبة عن هذه الجمعيات حتى نحصل على التبرعات.