شدد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، على وجوب أن يكون كل فرد من أفراد المجتمع المسلم رجل أمن؛ مؤكداً أن رجل الأمن ليس هو المسئول عن الأمن فحسب، واستدل بقول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". ولفت الشيخ الشريم الانتباه إلى خطأ قصر الأمن على خلوّ المجتمع من الجرائم الجنائية فحسب؛ مشيراً إلى أن مفهوم الأمن أعم من ذلك بمراحل.
وقال: "إذا تصوّرنا ذلكم -عباد الله- فإنه ينبغي علينا معرفة مفهوم شمولية الأمن، وأنه يشمل مراكز القوى في المجتمع المسلم الواحد، وعلى رأسها الأمن الديني؛ بالاستلام لله بالدين، والعمل على تحقيق ما يُرضيه، وألا يُعبد الله الا بما شرع؛ فما حلّت الفتن بمجتمع مسلم إلا ثمة خلل في علاقتهم مع ربهم بذنوب ارتكبوها أو واجبات تهاونوا بها؛ فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة".
وأضاف "الشريم": "من مراكز الأمن الشمولي: الأمن الغذائي، والأمن الصحي الوقائي، والضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي والعمل التطوعي، وتهيئة فرص العمل، والقضاء على البطالة، ودراسة الظواهر الأسرية وما يعتريها من عيوب؛ لأن الأمن بين الزوجين سبب للأمن بين الأولاد، ثم أمن العشيرة، ثم أمن الأمة المؤلفة منهم جميعاً؛ فمن ذلكم الأمن يتكون مزاج الأمة؛ شريطة عدم إغفال الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها جميعاً من الوقوع في الفوضى الفكرية، ومن مزالق الغلو والإفراط والتغول في دين الله على غير هدى".
وأردف: "خير ما يُتَوّج به الأمن الفكري هو الفكر التعليمي، والأمن الإعلامي؛ فكما أن للأموال لصوصاً؛ فكذلك للعقول لصوص؛ فلا أمن إلا بسلام، ولا سلام إلا بالاستسلام لله الواحد الأحد؛ حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، قال "الشريم": "حياة فيها الحضارة ينقصها الأمن؛ لهي حياة خداج، خداج، خداج غير تمام، وإن نوماً بلا أمن لهو قلق وأرق، وإن عبادة تفتقر إلى الأمن لهي عبادة مشوشة يكثر الالتفات فيها؛ لأن البشر بحاجة لأمن؛ والأمن مطلب الأمم جميعاً؛ فلا يزهد فيه إلا من كره الحياة الكريمة ولم يرضَ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً".
وأضاف: "لن نطول أمناً بلا إيمان، ولا نماء بلا أمن، والأمن ضرورة من ضرورات الحياة لا تقبل المزايدة، ولا ليّ الذراع؛ بل إن الأمن حد لا يحتمل التأويل، ولا الفهم الخاطئ، ولا الإهمال، وهو ضرورة لا تتحقق إلا بحفظ الضرورات الخمس التي أجمعت عليها الديانات والمِلَل، وهي: الدين، والنفس، والمال، والعِرض، والعقل".
وأردف: "مَن يُخِلّ بالأمن كالذي يخرق سفينة المجتمع الماخرة، وما على السفينة إلا أن يقذفوا به خارجها حتى لا تغرق بهم جميعاً، إن المساومة على أمن المجتمع لا تقع على نسيج من الأعداء المتربصين به".
وتابع "الشريم": "من يهز أمن المجتمع إنما يهز أمن نفسه أولاً، ثم أمن أمه وأبيه وأخته وأخيه وصاحبته وأخيه قبل يهز أمن المجتمع كله، وقد يكون ذلك من خلال إلحاد فكري أو سفك دم أو بجرعة مخدر أو شربة مسكر، بسرقة مال أو أكله بالباطل، أو بهتك عرض وفعل فاحشة؛ لذلك صار في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وقال إمام الحرم: "لقد جاءت شريعتنا الغراء بعقوبات صارمة لأمن المجتمع؛ لذلك حسم النبي صلى الله عليه وسلم كل سبيل للتخاذل أمام ضرورة الأمن؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: "وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، والذين يتلاعبون بأمن المجتمع المسلم إنما هم في الحقيقة يقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمال المرتقبة، وهم يُمتطون -بوعي أو بغير وعي- من عدوهم المتربص بهم ليزيد طينهم بلة".