تشهد السعودية في الفترة الأخيرة مبادرات تطوعية عديدة خصوصاً تلك التي انطلقت بعد كارثة سيول مدينة جدة، كما شهدت مدينة الرياض عدة مساهمات شبابية تطوعية كان آخرها التبرعات العينية للأسر المتعففة في بداية الشهر الفضيل. وفي المنطقة الشرقية أخذ الطابع التطوعي شكلاً مغايراً للمساهمات التطوعية التي انطلقت في الرياضوجدة؛ إذ أتى البعد الثقافي كأحد أبرز أشكال الحركة التطوعية الناشئة في المنطقة الشرقية. وساهمت وسائل الإعلام في تغطية أبرز الحركات الشبابية التطوعية التي يتقدمها الصحافي والمتطوع (عمر عثمان). كما أشاد الشيخ الدكتور سلمان العودة بمشروع (فطور الناجحين) الذي أطلقه (عمر عثمان) ومجموعة من شباب مدينة الخبر. ورغم الأحداث المسيئة التي شهدتها مدينة الخبر في مناسبة اليوم الوطني العام الماضي إلا أن (مهدي هزازي) قاد حملة تطوعية بعنوان: (لأجل الخبر، وطني مسؤوليتي) تخللها العديد من الأنشطة التثقيفية. وتنتظر مدينة الخبر البرنامج التطوعي الثقافي الأبرز يوم الإثنين القادم: (حملة اقرأني التطوعية) التي تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة لدى الشباب، حيث تخصص كتاباً للقراءة ثم تحدد موعداً للاجتماع ومناقشة الكتاب. ولم تقتصر البرامج التطوعية في الشرقية على الرجال فقط، بل تطور برنامج (فطور الناجحين) للفتيات أيضاً، كما أن (مجموعة اقرأني التطوعية) افتتحت قسماً لها خاصاً بالفتيات. ونستضيف في صحيفة "سبق" المشرف على أغلب المشاريع التطوعية في الشرقية الزميل الصحفي (عمر عثمان) ونستفسر منه عن بداياته التطوعية وأبرز مشاريعه: كيف ابتدأت فكرة المشاريع التطوعية لديكم خصوصاً أن هذه المشاريع غير ربحية وتأخذ جهداً؟ في الحقيقة بدأ لدي حب العمل التطوعي منذ الفترات الأولى من حياتي؛ وذلك عبر الوالدين وتحديداً والدتي رحمة الله عليها التي كانت ناشطة اجتماعية في مستوى الحي والأقارب. فكان الغرس الذي تلقيته من مفاهيم حول أجر مساعدة الناس والمساكين وعدم احتقار أحد كائناً من كان. ونما هذا الحب لدي حتى المرحلة المتوسطة والثانوية وكنت أترجمها عبر الأنشطة اللاصفية التي ساهمت كثيراً في صقل شخصيتي أكثر وأكثر حتى الفترة الجامعية التي كانت الأكثر تأثيراً، وذلك عبر نادي الجوالة بالجامعة الذي يهتم بخدمة المجتمع. وشاركت معهم لأول مرة في إرشاد الحجيج في موسم الحج في جميع المشاعر وكانت من أفضل التجارب. ثم بعد الجامعة ساهمت بالعمل في إحدى لجان التنمية الاجتماعية في المدينة عبر المشاركة بالإعداد والتنظيم لعدة مشاريع في خدمة المجتمع ومن ثم ومع ثورة العمل التطوعي وتحديداً في 2007 شاركت في فريق "الخبر بويز khobar boys" التطوعي وقدت الفريق قرابة عام بأعمال تطوعية ميدانية كثيرة ومبادرات متنوعة في مجالات متنوعة لنثبت للمجتمع أن الشباب قادر على التغيير وأن الشباب فيه خير وليس كما يظن الكثير أن لا فائدة منه. كيف كنتم تتأقلمون مع ثقافة العمل التطوعي خاصة أن العمل غير ربحي؟ لا يخفى على أي إنسان أن العمل التطوعي عمل غير ربحي وقد يجد الإنسان صعوبة ومشقة فيه ولكن لو فهم الإنسان المسلم هذه الحياة والسبب الذي يعيش من أجله لفهم أنه ليس هنا ليأكل ويشرب ويعمل من وظيفة فقط، ولكن الهدف الرئيسي هو أن تكون خليفة الله في أرضه وأن تساهم في كل شيء فيه رفعة للإنسان والإنسانية. ويؤسفني عندما أجد الغرب تقدم علينا في الصناعة والعلوم والفضاء؛ لأننا تخلفنا كثيراً عن امتلاك التقنية الحديثة والبحث العلمي ولكن يؤسفني أكثر عندما أجده تفوق علينا بمراحل كبيرة في العمل الخيري أيضاً! ويجب علينا كما نحن قبلة للعالم الإسلامي في صلاته أن نكون قبلة للعمل الخيري في العالم. هل لك أن تلخص لنا فكرة مشروع (فطور الناجحين)؟ هي من آخر المشاريع التي نعمل عليها، وهي فكرة بسيطة تعتمد على مفهوم الإلهام والتحفيز، حيث نقوم بتناول وجبة الإفطار صباح كل خميس مع أحد الشباب أو الكبار الناجحين في حياتهم ونغوص معهم في تفاصيل حياتهم وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، بحيث يستطيع الشباب استلهام الدروس والفوائد ممن سبقوهم في قطار الحياة. وتطور المشروع وتوسع وافتتحنا الآن فطور الناجحات الذي يحمل الهدف نفسه لكنه مخصص للنساء فقط وتديره إحدى الإعلاميات في المنطقة. مشروع فطور الناجحين أثنى عليه عدد من الكتّاب والمفكرين آخرهم الشيخ سلمان العودة، لكن ألا ترى أن مشروع فطور الناجحين مخصص لأشخاص مسلط عليهم الضوء أصلا أليس المفروض أن تسلطوا الضوء على غير البارزين؟ في الحقيقة نحن لا نركز على البارزين، بل على العكس تماماً فهدفنا الرئيسي هو تسليط الضوء على الناجحين من غير من هم في الإعلام وتحت الضوء، فنسبة 80 في المائة من ضيوفنا السابقين غير معروفين، بل بعضهم كان لقاؤه الأول هنا لكي يتحدث عن تجربته أمام الناس وبقية البارزين الذين استضفناهم كانوا أناساً يستحقون أيضاً أن نعرف كيف وصلوا إلى هذا النجاح الباهر ونهدف في مشروعنا هذا أن تنتقل الفكرة إلى المدن الأخرى، فهي بسيطة جداً وذات أثر عميق فالإبداع يعرف بأنه "السهل الممتنع". وماذا عن مجموعة (اقرأني) التطوعية، هل لك أن تسلط لنا الضوء على فكرة المجموعة؟ مشروع "اقرأني" كانت بدايته من صالة انتظار في أحد المستشفيات، حيث كنت أنتظر دوري لدى الطبيب، وكان من عادتي أن أصطحب معي كتاباً لكي أقرأه خلال هذا الوقت، فوجدت نظرات غريبة ممن هم حولي ينظرون إليَّ بشكل غير مريح وكأني أفعل شيئاً غريباً ومن حسن المصادفة أنه كان على الطرف الآخر عجوز إنجليزي ممسكاً هو الآخر بكتاب يقرأه ولكنه للأسف لم يكن لافتاً للنظر مثلي أنا الذي أرتدي الثوب والعقال. فقررت منذ ذلك اليوم إنشاء مشروع تطوعي يهتم بنشر ثقافة القراءة والكتاب بين أفراد المجتمع ومؤسساته. والمشاهد لحال أمة اقرأ مع القراءة يرى تأخراً وفجوة كبيرة بيننا وبين الغرب. وقد وجدت مجموعة من الشباب والفتيات المتحمسين للفكرة جداً. وقد انبثقت من هذا المشروع فكرة أندية الكتاب book clubs وهي لقاءات يجتمع بها الشباب والفتيات لكي يتناقشوا بشكل دوري حول أحد الكتب بعدما قرؤوه. وكذلك أطلقنا مشروع القراءة للأطفال لتعويدهم عليها منذ الصغر، بالإضافة إلى مشروع نشر مكتبات مصغرة في صالات الانتظار في كل مكان، وشعارنا "أمة اقرأ بدأت تقرأ". كيف هي آلية اختيار الكتب في مشروع اقرأني؟ يتم اختيار الكتب بناء على طلب المجموعة وتصويتهم على الكتاب ونحن في طور افتتاح مجموعات قراءة ترتكز على فن من الفنون، مثال مجموعة متخصصة في قراءة الروايات وأخرى في الأدب والشعر وأخرى في تطوير الذات لكي يجد كل مهتم مجال اهتمامه ونجمعه بآخرين مثله. هل لك أن تكشف لنا مستوى الحضور والمشاركة في مشاريعكم التطوعية؟ بحمد الله وتوفيقه، فبالرغم من حداثة التجربة وقلة الدعم والإمكانات لكن بعض الأفكار أثبتت أنها تنشر نفسها بنفسها، ففطور الناجحين مثلا بدأنا به بعدد لا يتجاوز 5 أشخاص ووصلنا إلى 70 شخصاً أسبوعياً، وهناك الكثيرون يودون الحضور لولا ضيق المساحة في القاعة، وسنحل هذه المشكلة قريباً وبالنسبة إلى مشروع اقرأني فالمسجلون أعدادهم كثيرة ولكن ارتأينا ألا نتوسع حالياً في الانتشار حتى نتمكن من النجاح المحلي بأقصى فاعلية مع وجود مبادرات للمشروع نفسه في مناطق مختلفة من المملكة. ما هي مشاريعكم التطوعيه المستقبلية؟ بعد تفكير عميق وجدت أن وسيلة التلفزيون من أكثر الوسائل تأثيراً في الناس وإيصالاً للأفكار وأخطط في الفترة القادمة إلى تقديم برنامج تلفزيوني يهتم بنشر ثقافة المشاريع التطوعية التي تساهم في تقدم الأمة وتطوير الفرد فيها، وأنتظر فقط أن تحين لي الفرصة وسأبدأ بها مباشرة ولكنها تحتاج إلى مصروفات إنتاجية كبيرة نوعاً ما، أسأل الله أن ييسرها لنا.