أكّد رائي الأهلة السعودي عبدالله بن محمد الخضيري، أن بداية رصد هلال شهر رمضان تبدأ الاثنين المقبل؛ مشيراً إلى أن رؤية الأهلة بالعين المجردة مبدأ شرعي معتمَد في المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية؛ بوصفها المصدر الرئيس في تحري وقت دخول الشهر أو خروجه، اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وأوضح "الخضيري" أن مهمة تحري رؤية الهلال تُعَدّ من أصعب المهام الشرعية وأشدها حساسية؛ لافتاً إلى أن ترائي الأهلة أمانة عظيمة تتطلب اليقين في الأداء، والإلمام بعلوم الفلك، مع حدة البصر؛ لما يترتب على ذلك من أمور شرعية تتعلق بالعبادات كالصيام والعيدين والحج.
وقال "الخضيري"، على هامش دورة "منازل القمر وترائي الأهلة" التي نظّمها معهد الأمير سلمان للدراسات والخدمات الاستشارية بالتعاون مع المرصد الفلكي بجامعة المجمعة: "أفضل أماكن رؤية الهلال في الأراضي المرتفعة عن سطح البحر، المنبسطة في امتدادها، وقد اعتدت منذ تسجيل أول رؤية لي عن الأهلة في المجلس الأعلى للقضاء قبل 30 عاماً، على رصد الأهلة بالقرب من حوطة سدير؛ حيث البُعد البصري الواسع".
وعن رؤية هلال شهر رمضان القادم، كشف "الخضيري" أن هلال شهر رمضان يقع في منزلة الدبران، وسيُتَابع ابتداء من يوم الاثنين المقبل 25 شعبان حتى ليلة 29 شعبان التي يتراءى فيها الهلال، بناء على دعوة المحكمة العليا الموجّهة لعموم المسلمين في جميع أنحاء المملكة بتحري رؤية هلال رمضان؛ مشيراً إلى أن حضور الرائين في مكان الرصد سيكون قبل غروب الشمس ب50 دقيقة.
وقال: "للقمر 28 منزلة مقسمة على 12 برجاً تتوزع على أربعة فصول، وله ثلاثة أشكال هي: "المستوي" ومنازله: البلدة، الذابح، البلع، السعود، الأخيبة، المقدم، المؤخر، الرشا، الشريطين، البطين، و"الشكل المنحرف" وله 12 منزلة هي: الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، و"الشكل المنتصب" وله ستة منازل هي: الطرفة، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العوى، السماك".
وأعرب عن قناعته بأهمية أن يُلِمّ الرائي بأشكال القمر، ويميز الخيط الرفيع للهلال عند رصده؛ لأنه يوجد كواكب أخرى لها الشكل نفسه مثل: كوكب الزهرة؛ على الرغم من صغر حجمه؛ مما قد يلتبس على البعض فيعتقدون أنه الهلال؛ في حين بيّن أن الهلال في لحظة الرصد يتميز ببياضه الظاهر في حجم خيط السبحة.
وفيما يتعلق بطريقة ترائي الأهلة، قال "الخضيري": "هناك مراحل عدة لهذه العملية؛ تبدأ من مرحلة رصد حركة القمر في آخر أيام الشهر؛ لتحري رؤيته في الليلة التي تعلن فيها المحكمة العليا عن طلب التحري؛ ليذهب حينها الراؤون في مختلف أنحاء المملكة إلى الأماكن المرتفعة أو المنبسطة البعيدة عن التلوث الضوئي، ويقف الرائي شاخصاً ببصره للسماء قبيل غروب الشمس ليتابع حركة الهلال حتى لحظة غروبه التي تستغرق دقائق معدودة".
وأضاف: "يقف خلف الرائي في لحظة الترائي مساعده الذي يطلَق عليه "الميقاتيّ"، ومهمته تسجيل وقت مشاهدة الهلال عندما يلحظه الرائي؛ حيث تتطلب مهمة الرائي الإمعان في النظر باتجاه موقع الهلال وتحديد خط سير الكواكب في السماء أثناء لحظة الغروب؛ ليتمكن من رصد الهلال".
وأردف: "ينضمّ الراؤون إلى لجنة الرصد الرسمية المكونة من: محكمة حوطة سدير، ومندوبي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ووزارة العدل، ومركز حوطة سدير، ويُعِدّون محضراً في حالتيْ الرؤية أو عدمها، يوقّع عليه كل شاهد عن طريق موظفي المحكمة".
وتابع: "في حالة ثبوت الرؤية؛ فإن الشاهد يلزمه ميقاتيّ ليكشف مدة الرؤية التي استغرقتها فترة تحري رؤية الهلال؛ بينما يصف كل راءٍ -سواء في ورقة أو شفهياً- ما رآه أمام القاضي، وفيما إذا كان شكل الهلال مستوياً أو منتصباً أو منحرفاً، ويضيف لها وقت الرصد، ثم ينظر القاضي في تطابق الرؤى من خلال الاطلاع على الشهادات، ومن ثم تُرفع الشهادات من مكان الرصد للمحكمة العليا، التي تتولى إعلان بدء الشهر".
وبخصوص تحرّي رؤية هلال شهر رمضان، قال الرائي "الخضيري": "المحكمة تكتفي عند دخوله بأخذ رؤية شاهد واحد فقط؛ بينما في خروجه تطلب الأخذ بشاهدة رائييْن، وفي معظم الأحيان نستعين بأجهزة الرصد الفلكية للتثبت من الرؤية التي تتطلب معها الخبرة في معرفة خريطة السماء". وأضاف: "يعتقد البعض عندما يظهر حجم القمر في اليوم السابع من الشهر بحجم كبير أن دخول الشهر قد تَقَدّم أو تأخر، وهو أمر غير صحيح؛ لأن القمر في حركته الثانية التراجعية من الغرب إلى الشرق إذا وصل اليوم السابع من الشهر يضيء نصف دائرة القمر المواجهة للأرض؛ بحيث يكون قد قطع نصف المسافة من الغرب إلى الشرق المعروفة ب180 درجة، وإذا لم تكتمل إضاءة نصف القمر في اليوم السابع توحي رؤية الهلال لعين المشاهد بأن دخول الشهر قد تقدم بيوم، وهو أمر غير صحيح".
وأردف: "لولادة الهلال مفهوم علمي، يتمثل في ظهور الهلال بعد مرحلة الاقتران لمراكز الشمس والأرض والقمر على خط طول وهمي واحد؛ مما يعني تخطي الشمس للقمر باتجاه الغرب للمشاهد، أو تأخره عن الشمس نحو الشرق، في أثناء حركة الانفصال، أو حينما يكون الهلال أقرب لمنطقة الشرق من الشمس".
وتابع: "من شروط الولادة أن يستنير الجزء المقابل للشمس أسفل القمر في لحظة انعكاس أشعة الشمس في الجزء المقابل لها من القمر، ويتشكل على هيئة هلال بعد غروب الشمس وبقائه بعد الشمس في الأفق".
وكشف "الخضيري" -الذي تقاعد مبكراً من مهنة التعليم- أن شغفه بعلم الفلك وحساباته الدقيقة بزغ لديه منذ أن كان يدرس في المرحلة المتوسطة؛ حيث واصل تنمية هذا الشغف من خلال الاطلاع على الكتب المتخصصة في ذلك المجال، والخروج للبراري لمتابعة حركة القمر وتحديد منازله، والسفر إلى الدول العربية والإسلامية لكشف الموازنات في رؤية الأهلة وحساباتها.
وأرجع السبب وراء حُبّه للفلك إلى والده المشهود له بقوة بصره ودرايته بمنازل القمر؛ نظراً لارتباطها بالزراعة والرعي، وذكر أنه بدأ يرصد الأهلة في منتصف التسعينيات الهجرية؛ حيث كان يهتم في تلك الحقبة بالإعلان عن رؤية دخول الشهر وخروجه لأسرته وأقاربه فقط، إلى أن تم تسجيله رسمياً عام 1405ه.
وأوضح أنه ينتظر تدشين المرصد الفلكي بجامعة المجمعة قريباً لتولي الإشراف عليه، وإكمال دراساته وأبحاثه الفلكية في المرصد بالتعاون مع المتخصصين في ذلك المجال.
ودعا "الخضيري" الناس إلى التثبت مما ينقلون عن رؤية الأهلة وحساب الأشهر، والرجوع إلى ما تُصدره المحكمة العليا، وقال: "عدد أيام الشهور تختلف من شهر إلى شهر، والأشهر التي تتكون من 30 يوماً في العام عددها سبعة أشهر، ولا تقلّ عن خمسة أشهر في حال عدم اكتمالها؛ في حين يمكن أن تتوالى الأشهر كاملة في ثلاثة أشهر فقط، وغير تامة في شهرين".