لم يمنعه ظهورُ الصناعات الحديثة من أدوات الإنارة، من الحفاظ على مهنته، التي جذبت الزوار ولفتت أنظارهم؛ فحرفة "السمكري" التي يمتهنها "العم حسن" وتنتشر في المدينةالمنورة، من المهن القديمة التي لا تزال محطَّ اهتمام الناس في بيوت المدينة بالجنادرية، كيف لا! وهو يتحف أهلها بما يصنعه من أدوات صمدت أمام المنافسة الصناعية الشديدة، كما أن اقتناء منتجاته يظل هواية لدى أهل المدينة القدماء. ويقوم "الحِرفي" بصناعة " المسرجة" التي كان يعتمد عليها سكان المدينة قديما، وزائروها من الحجاج الذين يفِدون إليها كل عام، حيث يتعامل الحرفي مع الصفائح الحديدية الرقيقة، ويصنع منها العديد من الأدوات المستخدمة في حينها، مثل السراج القديم.
والمسرجة هي الأداة الأولى المستعملة في إضاءة المنازل قديماً، وتسمى في بعض المناطق ب "السراج"، وهي خافتة الضوء صغيرة الحجم، وكانت غالباً ما توضع على بدايات السلالم، أو بالقرب من غرف الخدمات؛ كدورات المياه أو المطابخ.
يقول "العم حسن": كانت الصفائح تأتي من الشام والهند، نقوم بصناعتها لجميع الأدوات في باب التمارة، حيث وجود أشهر السماكرة في المدينة -آنذاك- منذ أكثر من ثلاثين عاماً"، مبيناً، أنه تعلم هذه المهنة لدى السمكري "صالح سنوسي" إلى أن توفاه الله، وبعد ذلك انتقل لدى "عبدالعزيز أبو الدهب" إلى أن أتقن هذه المهنة التي تعلّمها للهواية وحبّه لها".
وكانت المسرجة مكشوفة، وما أن تهب نسمة هواء خفيفة حتى تطفئها؛ لذلك فهي توضع في أماكن ضيقة لا تتعرض لتيارات الهواء، فكانت عبارة عن إناء صغير، غالباً يكون مصنوعاً من التنك؛ وهو معدن النحاس الخفيف، وتصنع على شكل أسطواني يوضع في آخره الكاز، وتظهر منه فتيلة تشتعل فتعطي ضوءاً خافتاً.
وبعد أن ينتهي المساء وتشرق الشمس آذنةً بيوم جديد، يأتي دور ربات البيوت في تنظيف الأطر الزجاجية، التي تغطي جسم الفانوس واللمبة من الاسوداد، الذي يتسبب فيه لهيب الفتيلة المشتعلة. وكانت هذه العملية تتم يوميًّا مع الحرص التام على عدم كسر الزجاجة؛ وذلك لغلاء سعرها قياساً على الحياة البسيطة في ذلك الوقت في المدينةالمنورة.
وتختلف مهنة السمكري سابقاً عن المهنة المرتبطة بإصلاح السيارات في الوقت الحاضر؛ حيث يستخدم السمكري أدواته البسيطة؛ كالمطرقة الحديدية؛ لتطويع الصفائح المعدنية الرقيقة، وإنتاج أدوات ضرورية للاستخدام اليومي. ونجد لدى السمكري السراج القديم، والفوانيس، والمحاقين، وبعض أنواع الحقائب المعدنية، وجواريف السكر وغيرها.