وجد بعض نساء جازان اللائي يحملن لقب "أرملة أو مطلقة" أنفسهن بين مطرقة قسوة الحياة وسندان بيروقراطية "الإسكان"، حيث تسبب هذا اللقب في حرمانهن من الوحدات السكنية في المنطقة، في قرار غريب لا يراعي وضعهن المأساوي. ورصدت "سبق" إحدى هؤلاء الضحايا اللائي سقطن سهواً من ذاكرة المسؤولين وابتعدت عنهن أضواء وسائل الإعلام.
ماسأة "فاطمة" قبل أربعة أعوام ودّعت فاطمة الكعبي منزلها، عندما طلبت القوات السعودية خروجهم لتأمين الحدود من عصابات التسلل، حيث نزحت وودعت بقايا ذكرياتها التي عاشتها مع زوجها الذي رحل عن الدنيا، فهامت على غير هدى ولم يبق معها سوى كارت العائلة، تحمله كإثبات للهوية، وبطاقة صراف الضمان الاجتماعي، تتنقل من منزل لآخر وهي تنتظر تحقق حلمها بامتلاك وحدة سكنية، عوضاً عن مسكنها الذي دخل ضمن حرم الحدود، ولكن أنظمة تسليم الوحدات استبعدتها وقتلت حلمها، لتواصل رحلة المعاناة في أواخر عمرها.
وتقول الأرملة فاطمة حسن الكعبي، من سكان الخوبة الشمالية سابقاً: معاناتي بدأت بعد خروجي من منزلي الذي كان يؤويني، بعد وفاة زوجي، وذلك عقب الحرب الأخيرة على المتسللين قبل أربعة أعوام تقريباً، وصرنا جميعا سكان محافظة الحرث بمنطقة جازان "نازحين"، وقبل أكثر من عامين تقريباً، عاد بعض سكان المحافظة، بينما منزلي يقع خلف الشبك الحدودي، ضمن ال 99 قرية التي لم تعد (داخل الحرم الحدودي)، الأمر الذي ضاعف معاناتي، خاصة أنه ليس لدي منزل، كما قُطعت عني المبالغ التي كانت تصرف للنازحين.
وتابعت باكية: هذا القرار لا يُرضي ولاة الأمر، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، الذي أنشأ مثل هذا الإسكان في كل مناطق المملكة لأمثالنا, فما بالكم نحن الذين أخرجنا من منازلنا وديارنا وقرانا العامرة، سمعاً وطاعة لولاة أمرنا؟ واليوم نُستبعد بهذه القرارات وكأنهم يدفنوننا أحياء, ونحن في أمس الحاجة لمنزل يؤوينا, نحن الأرامل الثكالى المستضعفات اللواتي ليس لنا حول ولا قوة، نناشد قيادة هذا البلد أن تنظر في أمرنا وتلغي هذا الشرط.
قرار غريب من جهته، استغرب شيخ قبيلة الحفانة بمحافظة الحرث، الشيخ موسى بن أحمد هزازي, من حرمان الأرامل والمطلقات من إسكان الملك عبد الله لوالديه التابع لوزارة الإسكان، مؤكداً أنهن من الذين أخرجوا من ديارهم ومزارعهم، ولم يتسلمن منازل بعد، وبدلاً من مساعدتهن قطعت إمارة المنطقة عنهن المساعدات المالية وأصبحن بلا طعام ولا مأوى, موضحاً أن إمارة المنطقة وجهت المحافظة باستكمال إجراءات النازحين الذين تنطبق عليهم معايير النزوح، وقد أوشكت المحافظة على الإنتهاء من تلك الإجراءات.
وحول ماسأة الكعبي، قال المحامي عبدالكريم القاضي ل "سبق": إن كان زوجها توفي أثناء الحرب ضد الحوثيين، فمن حقها ومما لا شك فيه أن يشملها النظام من باب أولى، على صعيد النظام والشرع، فقد قال الله تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنْكمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أوْلَئِكَ أَعْظَم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقوا مِنْ بَعْد وَقَاتَلوا وَكلاً وَعَدَ اللَّه الْحسْنَى وَاللَّه بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ"، صدق الله العظيم, وفي حال أنه توفي قبل ذلك، فإن لم ينص عليه النظام فتتقدم لأمير المنطقة لدراسة وضعها بإمكانية استثنائها وإعطائها أحقية في الاستفادة من منفعته بدرجة الحاجة الملحة الأكثر قسوة من ذوات الأزواج، لأنها تدخل في عموم النازحين، وقد تجد نتيجة إيجابية".
من ناحية أخرى، قالت رئيسة اللجنة النسائية بإثنينية "الزاهد النعمة"، الأديبة والناشطة الاجتماعية بجازان, نجاة محمد خيري: ماذا عن هذه السيدة التي تعد الآن ضحية أفرزتها الضمائر الباردة؟ من المسؤول عن هذه السيدة التي تشردت متكأة على سواعد الجيران كي تغمض عينيها البائستين بين جدران تستعيرها فقط كي تلقي جسدها المتهالك؟ ذهب السرب خلف الشباك الأسود، وبقيت مصلوبة على قارعة الهم، حيث أدارت الأماني لها ظهرها.
وبدوره، قال وكيل إمارة جازان الدكتور عبد الله السويد: الإمارة لا تزال تعمل لإسكان النازحين، وليتكم تسألون وزير الإسكان ووزير الشؤون الاجتماعية ".