قد تبقى جثث القتلى ملقاة في شوارع مدينة حمص السورية دون التمكن من رفعها إلا بعد أن تسكن حدة إطلاق النيران، أو أن يحل الظلام؛ لتُرفع الجثث تحت جنح الليل. أما في النهار فإن خطر نيران القناصة وزخات الرشاشات الثقيلة قد يحول دون انتشال جثث من قُتلوا بالرصاص في الشوارع. ويقول أناس كانوا في موقع الحدث خلال الأيام الماضية، وبعضهم أُصيب وهرب للخارج، إن إطلاق النار كثيف، وغالباً ما يكون عشوائياً. وتشير روايات هؤلاء الأشخاص - إضافة إلى تسجيل فيديو، وزَّعه ناشطون من المعارضة - إلى أن بعض أجزاء المدينة، البالغ تعدادها أكثر من مليون شخص، تشبه الآن منطقة حرب. وأصبحت حمص مركز المقاومة خلال أشهر من حملة القمع التي ينفذها الجيش وقوات الأمن التابعة للرئيس السوري بشار الأسد. وخلال الفترة الماضية انشق عدد من المجندين عن الجيش السوري، ومن بين هؤلاء شخص يُدعى محمد (20 عاماً)، أُصيب أثناء اشتباك مسلح في حمص قبل نحو أسبوع، وجرى نقله إلى مكان آمن. ويتعافى محمد حالياً في لبنان من جروحه الناجمة عن إصابته بأعيرة نارية. وقال محمد، الذي تحدث شريطة عدم استخدام اسم عائلته: "ظللت ممدَّداً على الأرض ساعات مع أصدقائي. كان خمسة منهم لفظوا أنفاسهم. فقدتُ الوعي في نهاية المطاف، ولم أفق إلا بعد وقت طويل في تلك الليلة حين توقف إطلاق النار. تمكن أصدقاؤنا من الحضور لحملنا". وتابع: "تظل الجثث ملقاة في الشوارع ساعات إلى أن يتوقف إطلاق النار بما يكفي للخروج إلى الشوارع". ووصل سائق شاحنة تركي، يدعى تايفون ساري (38 عاماً)، من سوريا إلى الحدود التركية الأسبوع الماضي، وبدا أنه لم ينم منذ أيام، ووصف الوضع في سوريا بأنه يشبه حالة من الفوضى والخوف. وقال: "إذا كان هناك أي شخص يريد إنهاء حياته أو الانتحار فعليه الذهاب إلى سوريا؛ إنهم يطلقون النار على المدنيين". وأضاف "رأيت خمسة جنود قتلى على الطريق بعد حمص إلى تركيا، ولم يفعل أحد شيئاً لهم. كانوا ممددين على الطريق. رأيت دبابات للجيش على الطريق بين حمص وحماة. في حمص يقطع المدنيون الطريق بإضرام النيران في الإطارات، ويفتح الجيش النار على المحتجين". وتابع: "كانت هناك كثير من فوارغ الطلقات على الطريق، وبعض الشاحنات كانت إطاراتها مفرغة من الهواء. وجدت نفسي وسط تبادل لإطلاق النيران، ولكن لحسن الحظ لم تصب شاحنتي بأي طلقة. رأيت عربة للجيش السوري محترقة ومنزلاً تشتعل به النيران". وبعض التسجيلات المصوَّرة، التي تُنشر يومياً على الإنترنت من سوريا، تصدم المشاهدين؛ حيث تعرض أشخاصاً مصابين بجروح غائرة وجثثاً مخضبة بالدماء، في مشاهد لا تتناسب مع البث العام. ولم يتسنَّ ل"رويترز" التحقق بشكل مستقل من مصدر هذه المقاطع المصوَّرة القصيرة. ولا يُسمح حالياً لمعظم وسائل الإعلام الغربية بالعمل في سوريا. وتمثل الصور المهتزة والروايات التي تأتي عبر الهاتف من ناشطين النافذة الوحيدة تقريباً لنقل ما يحدث في سوريا بعيداً عن وسائل الإعلام والصحف الرسمية التي تقدم صورة مغايرة تماماً. وفي لقطات مصوَّرة لمناطق من حمص، يتحدى فيها السكان أوامر بالتوقف عن الاحتجاج، تظهر خنادق للجيش وعربات قتالية مدرعة وسيارات محترقة بالكامل بها آثار طلقات رصاص، وواجهات متاجر عليها آثار أعيرة نارية، وأشخاص يندفعون بسرعة عبر شوارع خالية. ويوضح تسجيل الفيديو استمرار التحدي للنظام. وتتجمع مظاهرات خاطفة بمشاركة مئات الأشخاص، الذين يهتفون ويلوحون بالعلم السوري القديم. وفي لقطات صُوِّرت خلال الأسبوع المنصرم تجمع محتجون، ورددوا شعارات مناهضة للأسد، وتفرقوا حينما بدأ إطلاق النار. ولا يمكن التحقق من تقديرات أعداد القتلى المتفاوتة على نطاق واسع، والروايات الشخصية يمكن الطعن فيها ومناقضتها. ولا يمكن اعتبار كل جزء من تسجيل الفيديو حقيقياً أو أنه التُقط حديثاً، لكن مئات التسجيلات المصورة التي تأتي من سوريا، وكثير منها من مصادر معروفة ل"رويترز"، ويفحصها صحفيون مستقلون على معرفة بمدينة حمص ومدن أخرى، تعرض صوراً لا يمكن إنكارها لعنف شديد. وعرض مقطع مصوَّر نُشر يوم الخميس جثة لشاب ممددة في شارع خال من المارة، بجانب متنزه خال، وقد تم سحبها بواسطة كابل كان ملفوفاً حول كاحله. وجرى سحب الجثة إلى مأوى عبر تقاطع طرق، وعبر بركة من الوحل. وفي مقطع مصور نُشر يوم الجمعة كانت طلقات القناصة تصوب نحو واجهات المحال التجارية في شارع خال كلما يحاول أي شخص العبور. وفي تسجيل مصوَّر آخر أطلقت رشاشات ثقيلة مخبأة تحت غطاء خلف تل من القمامة، في أحد جوانب المدينة، دفعات من النيران على الشارع، ثم صوبت مباشرة نحو أي شخص يحمل آلة تصوير فيديو. وتحولت الشاشة إلى اللون الأبيض، وسُمع صوت يقول "الله اكبر"، ثم انقشع الدخان، وعادت لقطات الفيديو.