مضى أكثر من 16 عاماً و "مورية وشريفة المدخلي" في دوامة مع المراجعات ما بين أحوال صامطة وأحوال جازان وإمارة المنطقة, وهما تطالبان باسترجاع سجلاتهما المدنية, التي باعها والدهما قبل وفاته وبقيت حياتهما مجهولة حتى الآن. قصتهما مليئة فصولها بالتعقيد، وفيها ظلم وتجاهل وضياع، ما إن يبزغ لهما أمل في حل قضيتهما إلا ويسود أمامهما بعراقيل الأنظمة، التي لم تكفل حقوقهما.
لم يحقق لهما بكاؤهما واستنجادهما بمسؤولي المنطقة شيئاً، ولم تمسح دموعهما ألم الظلم وقسوة الحياة، عقد ونصف ومطلبهما يتنقل بين صامطة وجازانوالرياض، والإجابة دائماً: لا يزال التحقيق جارياً.. وهل سيكون حتى مع الأموات تحقيق؟ وهو والدهما الذي باع ورحل عن الدنيا.
"سبق" تسرد قصتهما بكل ما حملت من فصول، حيث يقول زوج شريفة، محمد يحيى ربيع مدخلي، وهو الذي كشف بداية الجريمة الشنعاء التي حلت بزوجته وأختها: إن الأمر انكشف من خلال "البرنت" الذي استخرج من الأحوال المدنية كل بيانات الشخصين اللذين اشتريا السجلات المدنية للأختين, مبيناً أن الوصول إليهما ليس صعباً، والتحقيق معهما، في نظره، لا يستغرق كل هذه السنوات.
وبدورها قالت الأم, "عيش مقلز المدخلي، 71 سنة", التي تعيش في منزل شعبي متواضع مع عدد من بناتها، إحداهن مطلقة ومعها أبناؤها يعيشون في ذلك المنزل: زوجي محمد محمد ربيع المدخلي، تزوج من امرأة أخرى وسافر إلى الرياض, تركنا أنا وبناتي في قرية مجعر شرق صامطة بمنطقة جازان, سنوات طوال لا نعلم عنه شيئاً إلا حينما وصلنا خبر وفاته مع الوثائق الشخصية.
وأضافت "الأم المسنة": إنه لو كان أباً حنوناً على أبنائه لما فعل ما فعل. ولم تسطع أن تخفي العبرة حينما خالطت عينيها وهي تحكي عن وضع أسرتها الصعب وضيق حالهم, فاستراحت قليلاً وتنهدت، بعد ذلك ختمت حديثها بقولها: لا تجوز على الميت إلا الرحمة، فأقول الله يرحمه, حسبي الله ونعم الوكيل.
وذكرت مورية "57 سنة", أنها متزوجة من مواطن يحمل تصريح ولديها، الأكبر هاني 27 سنة, وبنتين, سعدى 26 سنة, غير متزوجة، وسحر 12 سنة، وبيّنت أنها لم تنتبه كل تلك السنوات أن والدها سطا على سجلها المدني وباعه لآخر ليتمكن من إضافة زوجته الأجنبية.
وأشارت إلى أن من أهم الأسباب لذلك أن زوجها لا يحمل بطاقة ولا يستطيع أن يستخرج دفتر عائلة ويضيفها مع أبنائها، وأضافت "مورية": السبب الحقيقي الذي لم يجعلنا نكتشف بيع سجلاتنا المدنية، أنه في السنوات الماضية لم يكن بإمكان المرأة الحصول على بطاقة أحوال مدنية خاصة.
وقالت: كشفت المعلومات التي حصلت عليها في "البرنت" من الأحوال المدنية، أن اسم "زوجها المزور" الذي اشترى سجلها المدني "محمود بن حسن بن حامد كعبي مجرشي".
وتتساءل: إلى متى تُحرم من أبسط حقوقها في استرجاع هويتها الوطنية, كي تتمكن من العلاج وتعليم أبنائها وتحصل على المساعدات والمزايا التي تمنح للمواطنة من الجهات ذات العلاقة.
فيما ذكرت ل "سبق" شريفة المدخلي "51 سنة", أنها اكتشف أنها مضافة مع شخص آخر, يحمل اسم علي أحمد محمد صيالي مجرشي، علماً أنها متزوجة من مواطن يحمل بطاقة أحوال وهو الذي اكتشف أن سجل زوجته وأختها قد بيعا لآخرين, بعد زواجه منها عام 1419ه وتقدم بطلب إضافتها لدفتر العائلة.
وذكرت أنه منذ ذلك التاريخ وهي وأختها في دوامة المراجعة ما بين أحوال صامطة وجازان وإمارة المنطقة, وإلى تاريخه لم تجد الأختان أي جدوى أو حلولاً لقضيتيهما.
وأضافت أنها طرقت كل الأبواب، سواء الحكومية أو الإنسانية، فقد توجهت لجمعية حقوق الإنسان بجازان ولم تجد أي تجاوب.
كما أن بنتها "أشواق، 12 سنة", لم يتمكن والدها من إضافتها في أحوال صامطة لأن والدتها "شريفة" ليست مضافة معه في كرت العائلة، ولديها معاملة منظورة في لجنة المواليد بالأحوال المدنية بجازان, وهي تدرس في الصف الثاني الابتدائي بأمر استخرجه والدها من إمارة المنطقة.
وأضافت "شريفة", أن عدم معرفتها بالقراءة والكتابة كان سبباً رئيسياً في التغافل كل تلك السنوات الماضية وعدم اكتشاف الجريمة الشنعاء التي نفذها والدها بحقها وبحق شقيقتها الكبرى.
وتتابع: أنا وأختي حالياً ضائعتان وتائهتان، وكذلك أبناؤنا، ولا نستطيع أن نمارس حقوقنا كمواطنات لنا الحق في العلاج أو السفر أو العمل. أين الرحمة؟ وأين الإنسانية؟ أين الأبوة التي غابت من قلب أبي وأين العطف وأين الحنان؟ وأين القانون والنظام الذي يتكفل بحمايتنا؟
وختمت مورية قائلة: تعبت أنا وأختي وأثقل كاهلنا من هذه الدوامة التي نعيشها كل تلك السنين والبيروقراطية التي جعلتنا ندور في حلقة مفرغة ونحن نسوة قلت حيلتنا، فليس لنا حول ولا قوة وليس لدينا إمكانات، ووضعنا المادي سيء جداً حتى الجمعية الخيرية لا تلتفت إلينا، لأننا لا نحمل سجلات مدنية.
وبيَّن ل "سبق" المحامي عبدالكريم القاضي أن السجل المدني إن كان لدى المدعيتين ما يثبت علاقتهما به، بأن كان في الأحوال المدينة يتبين وجوده مقترناً بأسمائهما سابقاً، فإجراءات الدعوى هي طلب المدعى عليهما في مواجهة طلب الإعادة للسجل وإجراءات إحضارهما يتبع في ذلك طرقه النظامية بما فيها الملاحظة الإلكترونية على السجل المدني المدعى فيه كدعوى تزوير في الحق العام وإخفاء الحقيقة التي تملكها المدعيتان بما يتعلق بحقهما الخاص.
وأضاف: أما إن لم يكن لديهما ما يثبت حقهما في السجلات قبل نقلها وعجزا عن تقديم علاقتهما به، تصبح دعواهما إنشائية فقط لخلوها من المستندات، والخيار الذي أمامهما كحل أن يتقدما للمحكمة بطلب إثبات نسب تتبع فيها إجراءات المحكمة.
ومن جهته، أوضح ل "سبق" المتحدث الرسمي لإمارة منطقة جازان علي زعلة, أن قضية الشقيقتين مورية وشريفة مدخلي وبيع والدهما وثائقهما، وحرمانهما من الجنسية السعودية، ما زالت لدى الجهات المختصة للتأكد من ملابساتها والتحقيق في تفاصيلها للوصول لحقيقة الأمر، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات النظامية.
وقد تقدمت شريفة مؤخراً باستدعاء لأمير منطقة جازان، وصدر توجيهه لمدير شرطة المنطقة للتحقق مما أشير اليه وإفادته بما يتم بهذا الخصوص.