نجح الأسطورة دييغو مارادونا في إسكات منتقديه تماماً وتحول التجريح إلى مديح بعد أن نجح في قيادة المنتخب الأرجنتيني إلى الدور ربع النهائي من مونديال جنوب إفريقيا 2010 بأداء مقنع تماماً، لكن شبح الماضي عاد ليطارد "لا البيسيلستي" بشخص ال"مانشافت الألماني" الذي سيكون العقبة بينه وبين التأهل إلى دور نصف النهائي للمرة الأولى منذ 1990عندما تواجه المنتخبان في النهائي وخرج الألمان فائزين. لم يكن دخول مارادونا إلى نهائيات النسخة التاسعة عشرة من العرس الكروي العالمي كسائر المدربين الآخرين، لأن أحداً لم يأخذ مسيرته التدريبية على محمل الجد، إن كانت الصحافة المحلية أو الدولية وحتى اللاعبين السابقين مثل البرازيلي بيليه أو الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، خصوصاً بعد أن عانى المنتخب الأرجنتيني الأمرين خلال التصفيات حيث تعرض لهزائم تاريخية أبرزها سقوطه أمام بوليفيا 6-1، وهو لم يحسم تأهله حتى الجولة الأخيرة بفوزه على الأورغواي. واعتقد الجميع أن مسلسل معاناة التصفيات سيتواصل فصولاً في النهائيات، إلا أن رجال مارادونا ضربوا بقوة وخرجوا فائزين بالمباريات الثلاث التي خاضوها في الدور الأول، ثم تخلصوا من المكسيك في الدور الثاني ليضربوا موعداً ثأرياً مع الألمان في ربع النهائي في إعادة لمواجهة الدور ذاته قبل أربعة أعوام عندما خرج "مانشافت" فائزاً بركلات الترجيح بعد تعادلهما 1-1، ليجدد الفوز على "لا البيسيليستي" بعد أن كان حرمه من الاحتفاظ بلقبه بطلاً للعالم بالفوز عليه 1- صفر في نهائي مونديال 1990 حين كان مارادونا في صفوفه. "أنا فخور جداً لكوني جزءاً من هذه اللحظة، لأنهم قالوا عني سابقا بأني لا أفقه بشيء كمدرب، لكن الآن وبعد أربع مباريات يقولون عني باني بطل"، هذا ما قاله مارادونا بعد تأهل رجاله إلى ربع النهائي، مضيفاً "الفارق الوحيد كمدرب الآن هو أني أريد فعلاً أن ارتدي القميص وأدخل إلى أرضية الملعب. لكن من الرائع أن أكون بين هؤلاء اللاعبين وهذه المجموعة. الفوز رائع دائماً إن كنت لاعباً أو مدربا". وواصل مارادونا "عندما تكون على أرضية الملعب بإمكانك الركض وقول أشياء لا يمكنك أن تقولها من مقاعد الاحتياط"، وربما قد تكون هذه مشكلة الأسطورة الذي قد يعود إلى سابق عهده لينتهي شهر العسل مع الصحافة في حال عجز عن تخطي الحاجز الألماني. الجميع يتذكر ما قام به مارادونا بعد تأهل منتخبه إلى النهائيات بعد الفوز على الأوروغواي في الجولة الأخيرة من تصفيات أمريكا الجنوبية، حيث قال في مونتيفيديو بعد فوز بلاده "أهدي هذا التأهل إلى الشعب الأرجنتيني بأسره وإلى عائلتي، لكن قطاعاً واحداً لا يستحق هذا الإهداء (في إشارة إلى الصحافيين) لأنهم عاملوني كالنفايات. لقد اخترعوا مشاكل بيني وبين (المدير الفني) كارلوس بيلاردو غير موجودة" قبل أن يطلق ألفاظاً نابية على الصحافيين. ودفع مارادونا ثمن هذه الفورة؛ إذ أوقفه الاتحاد الدولي "فيفا" عن كافة النشاطات الكروية لمدة شهرين وغرمه بمبلغ 25 ألف فرنك سويسري (560ر16 ألف يورو) بسبب العبارات النابية التي أدلى بها وهو تقدم باعتذاره: "أطلب السماح من النساء، ومن والدتي، ومن سيدات الأرجنتين، ومن سيدات الأوروغواي، ومن نساء العالم بأكمله. لكن ليس من الآخرين"، قبل أن يعود ويقدم اعتذاره إلى الاتحاد الدولي وعائلة كرة القدم، ما دفع "فيفا" إلى تخفيف العقوبة. وشدد الاتحاد الدولي على ضرورة ألا تتكرر هذه الحادثة مع مارادونا لأن هذا الأمر سيقوده إلى اتخاذ قرارات أقسى بكثير، وهذا ما لا يأمله مشجعو الأرجنتين الذين يتمنون ألا تكون هناك أي مسببات لنوبة غضب جديدة من مدربهم الذي خلق "نكهة" جديدة في جنوب إفريقيا 2010 بكسره الحاجز المعنوي الفاصل بين المدرب واللاعب عبر تعامله مع اللاعبين ب"ودية" جعلت رجال الصحافة تتساءل حول هذه "الطقوس". الآن، وهو في الخمسين من عمره يسعى مارادونا مجدداً إلى معانقة الكأس التي توج بها كلاعب عام 1986 على حساب ألمانيا بالذات، وفي حال نجح الأسطورة في تحقيق هذا الأمر سيحذو حذو البرازيلي ماريو زاغالو (1958 لاعباً، و1970 مدربا) والقيصر الألماني فرانتس بكنباور (1974 لاعبا) الذي كان مدرب ألمانيا في نهائي 1990 عندما ترك مارادونا يجهش بالبكاء إثر خسارة المباراة النهائية. "أنا شاركت في العديد من نهائيات كأس العالم ولعبت مباراتين نهائيتين. أعرف كيف أصل وكيف أتعامل مع المجموعة وكيف أدربها. كما أعرف الطريقة التي أكلمهم بها. لدي رصيد يخولني الخوض في هذا الموضوع.. لم نأت إلى هنا من أجل إمضاء العطلة، جئنا إلى هنا لترك أثرنا، لنجعل الشعب الأرجنتيني فخوراً بنا. بإمكاننا أن ندربهم (اللاعبين) ومساعدتهم ومنحهم الحب. ما نحققه يعود إلى فضل اللاعبين ال23. أنا فخور باللاعبين ال23 وهذه النتائج بسببهم جميعاً، هذا ما قاله مارادونا عشية الموقعة المرتقبة مع الألمان السبت المقبل في كايب تاون، في حال نجحت "عاطفة" هذا المدرب في إعطاء ثمارها أمام "داي مانشافت" الشاب، فسيحقق ماراونا ما عجز عنه الفيو بازيلي ودانييلي باساريلا ومارسيلو بييلسا وخوسيه بيكرمان الذين تناوبوا في الإشراف على "لا البيسيلستي" منذ أن قاده كارلوس بيلاردو إلى لقب 1986 ونهائي 1990، لأن مشوار المنتخب توقف بعدها عند الدور الأول (2002) والثاني (1994) وربع النهائي (1998 و2006).