أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، المسلمين بتقوى الله - عزّ وجل - في السر والعلن، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، والحذر من غضبه - سبحانه وتعالى-. وقال فضيلته في خطبة "الجمعة" التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إن في السير على خطى سلف هذه الأمة وخيارها خير مسلك، وأقوم منهج، وأهدى سبيل، إلى بلوغ الغاية من رضوان الله، ونزول الجنة دار كرامته، ومستقر رحمته، إلى جوار أنبيائه، والصفوة من عباده، وإن من أجل ما اتصف به سلف الأمة كمال الحرص على سلوك سبيل الإحسان في كل دروبه، وصون النفس عن التجنّي، وحجزها عن العدوان، والتجافي بها عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأي لون من ألوان الإيذاء، يحدوهم إلى ذلك هذا الأدب الرفيع، والخلق العظيم، الذي ربّاهم عليه ربهم الأعلى (سبحانه) حين بيّن لهم أن الصلة بين المؤمنين والرابطة التي تربط بينهم هي الأخوة في الدين, قال سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة)، والأخوة تعني التراحم، والترابط، والتعاطف، والقيام بالحقوق".
وبيّن فضيلته: أن "الإخوة تعني - أيضاً - كف الأذى، فالمسلم حقاً من كمل إسلامه بسلامة الناس من إيذاء لسانه ويده، وما في حكمهما"، وقال: "إن من أشد صور الإيذاء قبحاً وأعظمها ضرراً، ما اجتمع فيه اللسان واليد، كمن يبسط لسانه بالسوء في أعراض المسلمين، ويقع فيها بافتراء الكذب، ويخطه بيمينه في كلمات، أو مقالات، أو خطب، أو رسائل، أو تغريدات، يستحكم بها الإيذاء، ويعظم وضعه، وتتّسع دائرته، وتعمّ البلوى به؛ ولذا جاء الوعيد الصارخ والتهديد الشديد لكل من آذى مؤمناً؛ زجراً له وترهيباً لمن ألقى السمع وهو شهيد، كما قال (صلى الله عليه وسلم): ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وردغة الخبال يا عباد الله، هي عصارة أهل النار، وخروجه مما قال هو بالتوبة النصوح إلى الله (تعالى)، وباستحلال أخيه مما قال فيه".
ومضى الدكتور أسامة خياط يقول: "إن الإيذاء كما يقع على آحاد الناس، فإنه يقع - أيضاً - على المجموع، كالشتم، والطعن، والاستهزاء الواقع على المؤسسات عامّها وخاصّها، والتنقيب عن أخطائها، وتتبع عثراتها، ونشر عيوبها، والفرح بذلك أشد الفرح، والتباهي به أعظم مباهاة، وكأنه صيد ثمين، أو غنيمة تغتنم، وبالاحتيال لتكبير الصغير، وتعظيم اليسير، من دون برهان ساطع، ولا مستند قاطع، ولا حجة بينة تثبت أمام التمحيص المخلص، والتتّبع الصادق الذي يرجو به صاحبه الله والدار الآخرة".
وأكد فضيلته أن: "من أعظم أسباب الإيذاء الباعثة عليه اللدد في الخصومة؛ ولذا كانت هذه الصفة الذميمة، والخصلة المقبوحة، حرية بتوعد صاحبها على لسان خير الورى (صلوات الله وسلامه عليه) بقوله: إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم".
وبين فضيلته أنه: "من الواجب على من جُهل عليه أن لا يقابل هذا الجهل بمثله؛ طاعة لربه سبحانه، وحذراً من الوقوع فيما يخبث بالمؤمن ولا يحسن به، فإن سبيل المؤمن سبيل الطعن والشتم الذي ينافي كريم خلقه، وسليم فطرته، لقوله (صلى الله عليه وسلم): ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء".
وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام، فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، من الإيذاء بكل صوره وألوانه، ومن رفع الشعارات التي تحوي مطالب تكون عاقبتها تهديد السلم الاجتماعي والروابط الأخوية، بما تبذره من بذور الفتنة والشقاق، وما تحدثه من فرقة ونزاع يكون عوناً للحاقدين والحاسدين، وقرة عين للأعداء المتربصين أجمعين، في زمن يجب فيه على الجميع التنبه لما يحاك ويدبر، ويخطط له، وما يقصد ويستهدف ويراد، وكذا يستلزم النظر إلى مآلات الأمور؛ درءاً للأخطار والشرور.
وبين فضيلته: أن للكلام الحسن تأثير كبير على الأصدقاء والأعداء، فهو يحفظ مع الأصدقاء مودتهم وصداقتهم، ويمنع كيد الشيطان أن يوغل بينهم ويفسد ذات بينهم، وأما حسن الكلام مع الأعداء فهو يطفئ خصومتهم، ويكسر حدتهم، ويوقف تطور الشر، واستطالة شرره، وفيه تعويد الناس لطف التعبير، مهما اختلفت أحوالهم، فالكلام الطيب خصلة تسلك مع ضروب ومظاهر الفضل التي ترشح صاحبها لرضوان الله، وتكتب له النعيم المقيم.
وفي المسجد النبوي بالمدينةالمنورة، قال إمام وخطيب المسجد النبوي، فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في خطبة "الجمعة" اليوم: "إن أمة الإسلام جعل الله عافيتها في أولها، باجتماع قلوبها على الحق، وتمسكها به، ونصرتها للحق، ونفورها من كل باطل وكل بدعة، ومحاربتها لما يبغضه الله (تعالى) ويكرهه، ولرغبتها في الدار الباقية ذات النعيم المقيم، ولزهدها في الدنيا الفانية التي لا يركن إليها إلا مغرور، ولا يستعز بها إلا مثبور، ألم يكن لكم في القرون السابقة عبر وعظات؟ كيف امتدت بهم الأعمار، ومتعوا بالملذات، وتجرأوا على المحرمات، ثم حيل بنهم وبين ما يشتهون من زهرة الدنيا ومتاعها، فلزمتهم الحسرات فقدموا على أعمال تسوؤهم، وعلى دار لم يعمروها بالصالحات، فجازاهم الله بأعمالهم قال تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ..)".
وأوضح فضيلته: أن هذه الأمة سيصيبها بلاء؛ بسبب الإعراض عن كتاب الله (تعالى) وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وتشعب الأهواء، وإيثار الدنيا، مستشهداً بحديث عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن هذه الأمة جعل الله عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء تأتي الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف ثم تأتي الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه, فمن سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر...).
وقال فضيلة الشيخ "الحذيفي": إن الأهواء كلها شر، وإن الاختلاف والتفرق ضرر على أمة الإسلام، في دينها، ومصالحها، يضعف قوة الأمة، ويفرق جمعها، وتلتبس مع الاختلاف الحقائق، فقد يرى الباطل حقاً، والحق باطلاً، ولا عصمة من مضلات الفتن إلا الاعتصام بكتاب الله (تعالى) وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وسؤال أهل العلم فيما خفي من الأمور المختلف فيها، مذكراً بأن الله (تعالى) حذرنا من الاختلاف والأهواء، مستشهداً بقوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء).
وختم فضيلته بالقول: إن القرآن والسنة هما اللذان يجمعان القلوب على الحق والهدى، والإخلاص والصواب، ولا يبغض إلى القلوب الشر والباطل إلا حب الحق وأهله، والأمة الإسلامية لا تجتمع على ضلالة، وفي هذا العصر كثرت الأهواء والاختلافات، وانعكس أثرها وضررها بالضعف والتفرق، فقطع الروابط أو أضعفها، حاثاً فضيلته كل ناصحٍ، أن يقدم نصحه بأن تعالج الأمة أدواءها بالتمسك بهدي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتبتعد عن أسباب الاختلاف المذموم.