اعتبر الباحث الاقتصادي عبد الله العلمي أن إدارة مجلس الشورى قصدت من وراء التصريح الإعلامي للمتحدث باسمه أن المجلس لم يوافق على تبني توصية قيادة المرأة للسيارة "غسل يد المجلس من التوصية وتهدئة الفئات المعارضة"، معتبراً أنه "بدلاً من التصريح الإعلامي كان بإمكان المجلس خنق التوصية بأكثر من طريقة بيروقراطية، بشكل يجعلها تتوه مثل غيرها في أروقة المجلس لأشهر طويلة". ورأى أن "المجلس الموقر بهذا التصريح المرتبك وغير المهني فقد جزءاً من مصداقيته، وأدان نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم". وقال إن "المجلس الموقر بحاجة إلى أن يكون أكثر شفافية ومصداقية مع الإعلام والمجتمع".
وكان المتحدث باسم مجلس الشورى، الدكتور محمد بن عبد الله المهنا، قد قال إن المجلس لم يوافق على تبني توصية تدعو للسماح بقيادة النساء للسيارات في السعودية، ولم يقرر إحالتها إلى لجنة النقل لدراستها.
وأوضح أن المجلس ناقش يوم الثلاثاء الماضي تقرير لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بشأن تقرير الأداء السنوي لوزارة النقل للعام المالي 1433/ 1434ه، واستمع لعدد من مداخلات الأعضاء حوله، ومن ضمنها مداخلة لإحدى العضوات، أشارت فيها إلى موضوع السماح بقيادة المرأة للسيارات، وهو الأمر الذي يعدّ بعيداً عن مجرى النقاش وعن اختصاصات وزارة النقل؛ ما حدا برئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ إلى لفت نظر العضوة إلى أن مداخلتها ليست لها علاقة بالموضوع المطروح للنقاش، وذلك تطبيقاً لقواعد عمل المجلس، وشدد على أن هذا الأمر لا يقع ضمن مسؤوليات وزارة النقل.
وقال "العلمي" فيما اعتبره تفنيداً لما جاء في تصريح المتحدث الرسمي باسم مجلس الشورى: "بداية، علي أن أنوه بأن النقد موجّه للنص وليس للشخص بذاته. تحدثت هاتفياً أكثر من مرة مع الدكتور المهنا، وهو يتميز بالخلق الرفيع والأدب الجم، وأكن له الاحترام والتقدير".
وأضاف "العلمي" بأن وجهة نظره تتضح في النقاط الآتية:
1) في المؤتمر الصحفي لمجلس الشورى بعد الجلسة مباشرة يوم الثلاثاء 8 أكتوبر لم يشر أحد لتوصية السيدات من قريب أو بعيد، فكيف ولماذا ينشر تصريح المتحدث الرسمي بعد يومين من انعقاد الجلسة؟ هذا يعني أن المجلس الموقر بحاجة إلى أن يكون أكثر شفافية ومصداقية مع الإعلام والمجتمع.
2) الأمانة العامة للمجلس استلمت توصية السيدات اللاتي تقدمن بالتوصية؛ وبالتالي فإن دور اللجنة (لجنة النقل) نظامياً أن ترفض التوصية لعدم الاختصاص إذا رأت ذلك. وهذا الإجراء يحدث مع توصيات عديدة تحال إلى اللجان من الأمانة، وترفضها اللجان لعدم الاختصاص.
3) في حال رفض اللجنة - أي لجنة - بعد اجتماعها ودراستها توصية ما محالة إليها من الأمانة العامة لعدم الاختصاص، فإنها تحاول إقناع مقدم التوصية بسحبها، فإن تمسك بها يكون الفيصل تصويت المجلس بعد عرض كل من رئيس اللجنة ومقدم التوصية لمبرراتهما أمام الأعضاء.
4) الذي يعرف هذه الإجراءات والمنهجية المعتادة في عمل المجلس مع التوصيات الإضافية، ودائماً تحدث بشكل طبيعي مع توصيات عديدة، يصبح مقتنعاً بأن إدارة المجلس تراجعت لسبب أو لآخر، ولا تريد للتوصية أن تأخذ هذا المجرى الاعتيادي. وهنا مربط الفرس؛ لأن هذا يعني أن التوصية ستصل للنقاش المفتوح العلني تحت القبة بين المؤيدين والمعارضين، ويتبعه التصويت. بصراحة، استقراء تصريح المتحدث الإعلامي يدل على أن إدارة المجلس لا تريد هذه النهاية الطبيعية لتوصية السيدات التي لو أخذت طريقها المعتاد فستكون - سواء كسبت الجولة أو خسرتها بالتصويت - أهم توصية نوعية في تاريخ المجلس؛ ما سيغير نظرة المجتمع والإعلام السلبية لدور المجلس الرقابي والتشريعي.
5) كان بإمكان تصريح المتحدث الرسمي الإعلامي أن يكون احترافياً ونظامياً، كأن يقول "إن قبول الأمانة للتوصية تم بشكل مبدئي، وإن التوصية ليست من اختصاص (لجنة النقل)، وسيتم بعد استئناف عمل المجلس النظر فيمن هي اللجنة المختصة بهذه التوصية". هنا على الأقل يكون تصريح المتحدث الرسمي أكثر توازناً ومهنية واتفاقاً مع قواعد عمل المجلس.
6) لغة تصريح المتحدث الرسمي للمجلس (وهنا مربط الفرس) تدل على أن المجلس كأنه "غسل يده" من التوصية جملة وتفصيلاً، وهذا مخالف لأنظمة المجلس؛ فلا بد من إجراء مع أي توصية إضافية مثل توصية العضوات الثلاث، إما دراستها من اللجنة والبت فيها، أو إقناع الذي قدمها بسحبها، أو يحكم فيها تصويت المجلس.
7) ما يؤكد أن إدارة المجلس قصدت بالتصريح الإعلامي "غسل يد المجلس" من التوصية وتهدئة الفئات المعارضة أنه بدلاً من التصريح الإعلامي كان بإمكان المجلس خنق التوصية بأكثر من طريقة بيروقراطية، بشكل يجعلها تتوه مثل غيرها في أروقة المجلس لأشهر طويلة، لكن المجلس الموقر بهذا التصريح المرتبك وغير المهني الذي يخالف قواعد وإجراءات عمله فقد جزءاً من مصداقيته، وأدان نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم، وأكسب العضوات الثلاث مصداقية وتعاطفاً اجتماعياً وإعلامياً. هنا تذكرت رأي زميلنا العزيز د. عبدالرحمن الحبيب: "من يرد السلامة البيروقراطية سيقول لك: إن النظام لم يمنع ولم يسمح، وأنا لم أسمع!".
8) مقاطعة معالي رئيس المجلس للدكتورة هيا المنيع - وهي العضو الذي لم يسمه المتحدث الإعلامي - من الغريب التطرق لها في تصريح المتحدث؛ لأن المداخلة سواء تمت مقاطعتها أو لا مسألة ليست بذات شأن في هذه الحالة، ولكن استلام الأمانة للتوصية المكتوبة هو الإجراء المنهجي الذي يعول عليه.
9) تاريخ التراجعات من قِبل بعض المؤسسات تحت الضغط الاجتماعي أو الديني معروف، ولدينا أمثلة كثيرة، مثل التراجع عن قرار تأنيث المحال أو رياضة البنات في المدارس وغيرها، ولكن لم يكن ذلك سوى إلى حين فقط.
أقتبس من مقال الأستاذة ناهد باشطح في صحيفة "الجزيرة" بتاريخ الجمعة 11 أكتوبر 2013م: "حتى وإن لم تقبل التوصية التي رفعتها العضوات فيكفيهن أنهن كتبن في التاريخ صفحة مشرقة بجهود المرأة السعودية، أتت في إطار تحرك رسمي، وليس عاطفياً، للمطالبة بحقوق المرأة".
أقول: لا تتنازلي عن حقك، ولا تسمحي لصوتك بأن يضيع في ضجيج أصوات الرجال، حان الوقت لوضع الأمور في نصابها.. توصية السيدات القديرات (مرفقة بدراسة للمسوغات الشرعية والنظامية والحقوقية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية الموجبة لقيادة المرأة للسيارة) قدمت كتابياً ورسمياً ونظامياً.. وقد حان الوقت للتصويت عليها.