أصبح العالم الآن مصاباً بحمى "جانجنام ستايل"، تلك الأغنية التي انتشرت كالعدوى في مختلف الدول والقارات، وحطمت كل الأرقام القياسية في نسب المشاهدة والاستماع، وقدمت رقصة باتت الأشهر على الإطلاق في الوقت الحالي تمايل على أنغامها كبار مشاهير الفن والسياسة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون، و"ملكة البوب" مادونا. وغيرت "جانجنام ستايل" حياة مغنيها الكوري الجنوبي بارك جاي سانج، وشهرته "ساي" (PSY) من مطرب مغمور إلى نجم عالمي ذائع الصيت، فالفيديو المصور للأغنية تخطى 700 مليون مشاهدة على موقع (يوتيوب)، وهو رقم قياسي لم يصل إليه أحد من قبل، ليخلد المغني الكوري الجنوبي اسمه بين أساطير الموسيقى.
وانضمت الأغنية إلى مصاف أشهر الأغاني العالمية على مر التاريخ، ومن بينها "ماكارينا" في التسعينيات للثنائي الإسباني لوس ديل ريو، وأغنية (Party Rock Anthem) للدويتو الأمريكي لمفاو (LMFAO ).
وربما أسهم في النجاح الكبير لتلك الأغنية بساطتها المتناهية، فهي تنتمي إلى نوعية موسيقى البوب في إطار كوميدي ساخر، مع تأدية حركات راقصة جنونية تثير الضحك.
لكن وجهة نظر من شاهد فيديو كليب الأغنية من داخل كوريا الجنوبية مختلفة عمن شاهدها من الجمهور العالمي، حيث رأوا فيها فكرة أكثر عمقاً من مجرد أغنية ورقصة هزلية مضحكة.
واعتبر مواطنو البلد الأسيوي أن الفيديو المصور للأغنية يتضمن انتقاداً لاذعاً لمظاهر البذخ والترف في تلك الدولة التي تنافس بشراسة لتتبوأ مركزاً اقتصادياً رفيع المستوى، لكنها في نفس الوقت تسجل معدلات انتحار مرتفعة.
و"جانجنام" تعني حرفياً بالكورية "جنوب نهر هان جانج" وهو حي يحتكر العيش به الأثرياء وعلية القوم، وساد اعتقاد محلي بأن الأغنية تهاجم طريقة العيش المرفهة لسكان هذا الحي الغني، لكن ساي أكد أنه لم يقصد هذه السخرية من سكان "جانجنام".
وأوضحت الممثلة الكورية الجنوبية جانج سو هي في مقابلة ل(إفي) "على عكس دول الغرب، نحاول بشتى الطرق أن نقدم حبكة ساخرة دون أن نستهزئ بشخص أو بفئة معينة، لتجنب الصدام مع الرقابة".
وألقت "جانج سو هي" بذلك الضوء على الرقابة الصارمة التي تفرضها السلطات في كوريا الجنوبية على حرية الفكر والإبداع، وخاصة على المحتويات الإعلامية المنافية للأخلاق والآداب العامة.
وتيقن "ساي" من تلك النقطة الجدلية، فأشار إلى أن الأغنية لا تنتقد أحداً، وإنما اعتبرها "محاولة بسيطة لرفع الروح المعنوية للناس"، علما بأن الحكومة فرضت غرامة عليه بسبب محتويات ألبومه الأول، من أصل ستة ألبومات، كما منعت صدور ألبومه الثاني.
وتقول ميجي لي، وهي مواطنة كورية مقيمة في العاصمة الإسبانية مدريد، إنها سعيدة بنجاح تلك الأغنية لهذا الفنان "الفريد من نوعه"، مبررة أسباب نجاحه بأنه "قدم شيئاً مختلفاً ومتميزاً عن المألوف في سوق الغناء الأسيوي، كما أنه يتمتع بشخصية مستقلة ويتبع نهجاً مغايراً للآخرين".
وينسب الفضل في نجاح فيديو "جانجنام ستايل" إلى الشخصية المرحة للمغني الثلاثيني الذي يرتدي نظارة شمسية طوال الوقت، ويتمتع برشاقة جسدية رغم بدانته وكرشه الدائري، بجانب الاستعراضات المبهجة التي قدمها برفقة عدد كبير من الراقصين والراقصات من فرق (بيج بانج) و(تو بي إم) و(جيرلز جينيريشن).
ويحسب ل"ساي" أنه لفت أنظار العالم إلى الغناء الأسيوي بشكل عام بعد أن كان مهمشاً دولياً، ليثبت أن بإمكانه مناطحة كبار نجوم الغناء العالميين، كما وضع بصمته على ظاهرة فنية ستظل محفورة في الأذهان طوال العمر.
وبدأ الغناء الأسيوي يحقق انتشاراً واسعاً منذ عامين تقريباً بعد نجاح أغنية (Nobody) أو (لا أحد) للفريق النسائي (Wonder Girls) التي حققت نسبة مبيعات مرتفعة في الولاياتالمتحدة.
وفي عام 2011 أعدت مجلة (بيلبورد) الشهيرة، والمتخصصة في إعلان نسب مشاهدة وسماع الأغاني في أمريكا الشمالية، قائمة خاصة لتصنيف أغاني البوب الكورية، وبعدها بشهر أطلق موقع (يوتيوب) قناة مخصصة لتلك الفئة من الأغاني، ليرتفع العدد من وقتها إلى أكثر من خمسة ملايين قناة، وفقاً لموقع (VisitKorea).
ودخل "ساي" موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعد أن نالت الأغنية أعلى نسبة إعجاب "لايك" على موقع (يوتيوب) من جانب 2.3 مليون شخص.
وأشار لوكي سيول مدير شركة "سوني ميوزيك كوريا" إلى أن "المستمع ليس في حاجة لفهم اللغة الكورية من أجل الاستمتاع بالأغنية"، كما أن الفيديو يتضمن تنوعاً كبيراً ومبهراً في مواقع التصوير، حيث استغرق تصويره 48 ساعة في 28 مكاناً مختلفاً.
وعن نفس الأغنية فاز "ساي" بجائزة قناة (MTV) الأوروبية لأفضل فيديو كليب بعد أن تفوق على أغنيات لنجوم ذائعي الصيت (Marry the night) لليدي جاجا و(We found love) لريانا وكليفين هاريس و(Wide awake) لكاتي بيري و(Bad Girls) لفريق M.I.A .
وخلال حفل توزيع جوائز (MTV) الذي أقيم بألمانيا انضمت مقدمته عارضة الأزياء اللامعة هيدي كلوم إلى قائمة مشاهير العالم الذين قاموا بتأدية رقصة "جانجنام ستايل" المعروفة أيضاً ب"رقصة ركوب الخيل"، بجانب النجوم هيو جاكمان وبريتني سبيرز ومادونا التي قامت بدعوة ساي ليشاركها آخر حفلاتها بنيويورك، فضلاً عن المذيعة إلين ديجينيريس ونجمة التنس الروسية ماريا شارابوفا، وعدد كبير من الشخصيات السياسية ونجوم الرياضة والمجتمع.
حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما صرح خلال حملة إعادة ترشيحه لولاية ثانية بأنه قادر على تأدية رقصة "جانجنام ستايل" برفقة زوجته ميشيل.
كما قامت زارا فيليبس حفيدة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بتأدية نفس الرقصة بجانب أعضاء المنتخب البريطاني للفروسية؛ وذلك لغرض خيري بهدف جمع تبرعات.
وبحس دعابة، قال الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون أنه يشعر ب"الغيرة" من ساي؛ لأنه كان يعتقد نفسه قبل أيام "أشهر مواطن كوري جنوبي في العالم"، ولكن هذا لم يمنعه من القيام بالحركات الراقصة للأغنية حين التقى بنفس المغني بمقر المنظمة بنيويورك.
كما أدى الرقصة معاً نحو 20 ألف شخص أمام برج إيفل بعاصمة النور باريس، حيث أحيا ساي حفلاً دعائياً ضخماً، ضمن جولة عالمية شملت عدداً كبيراً من البلدان للترويج لأغنيته الأسطورية.